لا تستمعوا إلى أصوات المتعصبين، ولا تلتفتوا إلى هرطقات الساخرين، فقد ودع كأس العالم، أمس الأول، الثنائي الجميل، وفي يوم واحد لم يكن الوداع لائقاً بما قدمه الاثنان لكرة القدم من خدمات جليلة، وسنوات طويلة، تناوبا فيها على اعتلاء عرش اللعبة، فهما اللذان شغلا العالم خلال السنوات العشر الأخيرة، فصنعت منافستهما الثنائية الكثير من القصص والأقاويل، وستظل حكايتهما حديث الناس جيلاً بعد جيل. رونالدو وميسي وثالثهما الموهبة العظيمة، وكرة القدم التي تدين بالكثير من شعبيتها في السنوات الماضية لما قدمه هذان الاثنان، وهما اللذان حققا كل ما يحلم فيه لاعب كرة القدم على مستوى العالم باستثناء البطولة الأكبر، والحدث الأعظم، المونديال الذي شاركا فيه لأربع نسخ متتالية، ولكنه استعصى عليهما، وها هما يغادران في التاريخ نفسه، والذي ربما يكون آخر ظهور لهما في المسرح العالمي الكبير. ميسي ورونالدو صنعا إحدى أروع الحكايات في تاريخ كرة القدم، قد يرى البعض أنهما أفضل من داعب الساحرة المستديرة وقد لا يتفق البعض الآخر، ولكنهما بالتأكيد من الأفضل، هما من الأساطير، كما أنهما اللذان حفظا للموهبة قيمتها وكرامتها، بعد أن عبثت بها تكتيكات المدربين، والخطط اللوغاريتمية المعقدة والتي قتلت الكثير من متعة اللعبة، وكادت تفتك بشعبيتها، ولكن في كل جيل يظهر أمثال رونالدو وميسي وكأنهما الشمس والقمر، أو الملح والسكر، يجددان كرة القدم ويمنحانها شيئاً من الجنون وكثيراً من السحر. خسرت الأرجنتين أمام فرنسا، فكانت العناوين تشير إلى خروج ميسي، وبعدها بساعات قليلة خسرت البرتغال أمام أوروجواي، وكان رحيل رونالدو من المونديال هو الذي يتصدر الأغلفة، وهو ليس إجحافاً بحق بقية لاعبي المنتخبين، ولكن هكذا هي الحياة، وهما اللذان وضعا نفسهما في هذه المرتبة، فحولهما تصاغ الأخبار، واسماهما كافيان لتصدر قائمة المشاهدات، وتحطيم أرقام المبيعات، وهما اللذان صنعا لوسائل الإعلام الكثير والمثير، ومادة مغرية لا تمل منها الجماهير. ودع المونديال أبرز نجمين، وقد يكون الوداع الأخير فلا يظهرا مرة ثانية في هذا المحفل، وبعد 4 سنوات سيكون رونالدو في السابعة والثلاثين من العمر وميسي في الخامسة والثلاثين، ولكنهما سيكونان حاضرين في ذاكرة البطولة وأروقتها التي ستقول «لقد مرا من هنا»، وفي ليلة الوداع الحزينة، وفي استمرارية لفصول التنافس والندية، يبدو وكأنهما اختارا الرحيل سوية، ولكن سيتواصل إبداعهما في الملاعب ما دام في العمر متسع وللموهبة بقية.