زمن يطوي سجادته ويرحل، وتبقى الأحلام حاضرة، مثل قارب قديم يزخر بصور ووجوه كانت هنا على لوحه المهشم.. اليوم نحاول أن نستدعي ما فات، نحاول أن نستدرج الذاكرة لعل وعسى تجود بما جاد به يوسف على إخوته، ولكن كيف؟ ربما نحن في هذه البقعة من العالم أكثر من غيرنا نسند الظهر على الماضي، لأننا لا نملك في الحاضر غير خربشات داعش وأخواتها على سبورة حياتنا، الأمر الذي يجعلنا ماضويين، بامتياز، وتاريخيين استثنائيين، نفوق غيرنا من الأمم في هذه المادة التاريخية المفعمة بالحزن التاريخي الأليم، والذي يشكل نقطة أوزونية في مجالنا الوجودي، ما يؤرق مسيرتنا نحو الحياة. نحن حالمون إلى درجة الثمالة، نحن غائرون في أعماق السديم الكوني إلى درجة أننا لا نملك غير الأحلام، ولا نسعى إلى غير الأحلام، وهي الطريقة التي ولدت الوهم في أذهان ثلة من بني جنسنا، والذين أصبحوا اليوم على قارعة طريق الرعب، والرهب، والسغب، والتعب، والنكب، هؤلاء الذين لا يدعون للمنطق نافذة للتنفس، هؤلاء الأشقاء الأعداء الذين مرقوا، ومزقوا، وأحرقوا، وسرقوا، وفسقوا، وطرقوا دروباً أكثر وعورة من أشجانهم المهشمة، والتي باتت مثل زجاجات قديمة، قدم الدهر. نحلم بهذا المجد الإنساني الذي أضاء فناء البشرية، وننظر إلى ما تفعله أوهام السذج والمعتوهين والذاهبين في الحياة إلى ظلمات خلفها ظلمات، وفي جعبتها ظلم وسقيم، نحلم، ثم نصحو ونفكر فيما تفعله الأيدي المرتجفة بأرواح الأبرياء، في كل مكان، بدءا من أفغانستان مروراً بالعراق، ثم سوريا وليبيا، وفي أماكن مختلفة من العالم ابتليت بهذا الداء السقيم، وأصبح الأطفال يصحون على هدير النار، وزفير الثارات القديمة، وقد نسوا حقيبة المدرسة عند قارعة طريق، فيما هم يهربون من الموت. نحلم ونتمنى أن يموت الموت الداعشي، وأن تنتهي هذه اللعبة الجهنمية من العالم، ليستعيد أطفال العالم ابتسامة الصباح، ولقمة العيش بلا رجفة، نحلم ونتمنى أن يختفي هذا الموت المصنوع من نفايات التاريخ، وأوهام الذين أحبوا الموت، وكرهوا الحياة ونسجوا من الخيال ثواب ما يحصدونه من أرواح البشر، والذين لا ذنب لهم إلا أنهم ولدوا في زمن فيه العقل يخرج من العقل.