بمناسبة مباريات كأس العالم نسترجع ذكريات كروية قديمة، مر عليها لاعبون وأساطير وانتصارات عظيمة وخسائر قاتلة، هي صورة فريق «الفريج» التي مضى عليها أكثر من أربعين عاماً ويزيد، صورة لصغار شعث غبر بالأبيض والأسود لصف فريق كرة قدم لم تكن منفوخة بالمعيار التحكيمي، بل عبئت من «بامب سيكل دبل»، كان ملصقاً بإحدى الدراجات الهوائية لأحدنا، «الفانيلات والهافات» بألوان مختلفة تقريباً، اشتراها كل منا من مصروفه من دكان «رمضون» الذي بدأ عمله «حَوّاي» في الحارة، كنا 13 لاعباً في أعمار مختلفة، وأطوال مختلفة، كانت صورة باهتة صورناها عند العكّاس الذي فتح محلاً جديداً سماه «استوديو ساحل عُمان». بعد تلك الصورة لعبنا مباراة انهزمنا فيها بأربعة أهداف مقابل هدف وحيد، احتج عليه الفريق الفائز، في حين ألقينا اللوم على حارسنا الذي كان مرماه شبه مشّرع لهجمات الفريق المنافس، وعلينا تحمّل كل السخرية التي سنتعرّض لها طيلة أسبوع بأكمله، وحتى نأخذ ثأرنا منهم في المباراة المقبلة، لكن هذه المرة المقبلة لم تكن لصالحنا دائماً، رغم اللعب والصمود الذي أبداه فريقنا، لأن النتيجة كانت لصالحهم بهدفين لهدف، ظل فريقنا يتعكز، ولم نفز بمباراة إلا بعد أن أصبحت «فانيلاتنا وهافاتنا» الرياضية ملحاء، وطار صبغها، ومُحيت أرقامها التي كتبناها بخط رديء على ظهورنا، وكبرت أقدامنا على قياس الأحذية الرخيصة التي اشتراها بعضنا، أما البعض الآخر فكان يلعب حافياً على ذلك الملعب الرملي بعارضاته التي كنا نغرسها بشكل مؤقت في الأرض. اليوم حين أقلّب نظري في تلك الصورة بالأبيض والأسود الباهتة، التي تقصفت وكادت تذوب بعض ملامح اللاعبين القدامى، والتي أخذها على عجل ذلك العكّاس غير الماهر في زاوية من «استوديو ساحل عُمان» الجديد، أحاول اليوم أن أتذكّر الجميع، لأعرف أين ذهب أعضاء ذلك الفريق المنهزم كثيراً، بادئاً بـ «كابتن» الفريق ومدربه في آن واحد، والذي لم يكن يعرف إلا أن «يشوت» الكرة عالياً أو بـ«البوز»، تلك كانت مهارته الوحيدة، إضافة إلى بداية خط شاربه البارز الذي أعطاه ميزة الأمر والنهي، هو اليوم سفير في بلاد بعيدة، أما الحارس الذي كثيراً ما كنا نحمله هزيمة الفريق من تلك الكرات السهلة التي تتسرّب من بين يديه أو قدميه، فهو موظف شبه متقاعد، لكنه مواظب على أشيائه القديمة، لعب الورق ومشاهدة مباريات كأس العالم القديمة، وشرب شاي الحليب «الكرك» مساءً، أما «الباك» الطويل، فقد أتعبته الحياة، وغرَّبته حياة المدينة الجديدة وغاب فيها، وبالكاد نسمع عنه شيئاً، لقد أصبح لائثاً في «بانكوك»، أما لاعبا الـ «هاف باك»، فواحد يعمل ضابط صف في الجيش، والآخر شرطي متقاعد، ونكمل غداً أعضاء ذلك الفريق الذي يشبه كثيراً المنتخبات العربية في كأس العالم..