في مونديال عام 1986، حصلت الأرجنتين على لقبها العالمي الأخير، بقيادة نجمها الأسطوري مارادونا، ومنذ ذلك الحين وهي تعاني، لكن المدهش أنه منذ ذلك الحين ومارادونا يعاني أيضاً.. ليس من تلك الفئة التي تنظر تحت قدميها.. إنه أسطورة وشعار.. هو في توق للقب جديد، حتى ولو صنعه غيره.. لم يسعد لأنه الأخير.. لا يتمنى قطعاً ألا يحقق الحلم سواه. أمس الأول وفي مباراة الأرجنتين ونيجيريا، التي عاد فيها التانجو من الباب الضيق جداً، وتأهلوا ثانياً عن المجموعة الرابعة، بفارق خمس نقاط لصالح كرواتيا المتصدرة، كان مارادونا جالساً هناك.. في المدرجات.. كان وحده مباراة وإثارة ودرساً في الوفاء لمنتخب بلاده، التي صنعت مجده وصنع مجدها.. تفاعل مع كل لمسة وكل هدف، الأمر الذي كلفه في نهاية المباراة، أزمة صحية، استدعت تدخل طبيب المنتخب الأرجنتيني، ونقله إلى مستشفى في مدينة سان بترسبورج للاطمئنان عليه. المباراة ذاتها، من تلك المباريات التي لا تصلح لذوي القلوب الضعيفة، فقد احتدمت حلقاتها حول التانجو، حتى الدقيقة 86، التي شهدت هدف الصعود لماركوس روخو، وفيها عاد ميسي وسجل هدفاً رائعاً، أعاد إليه ثقته في نفسه، التي اهتزت بالفعل، للدرجة التي دفعته لحزم حقائبه والرغبة في مغادرة معسكر الأرجنتين، لولا زوجته أنطونيلا، التي أكدت تقارير أنها حضرت إليه في روسيا لإثنائه عن هذا القرار، ومؤازرته في مباراة نيجيريا. والآن، صعدت الأرجنتين لمواجهة فرنسا.. مواجهة مبكرة جداً بين كبيرين، ستكلف عشاق الكرة الجميلة، وداع أحد القطبين قبل دور الثمانية، فيما تواجه كرواتيا منتخب الدنمارك، والحقيقة أنه لا يكفي سواء للتانجو أو للديوك أن يكون دور الـ 16 آخر المطاف لأحدهما، لكنها الكرة والنقاط، التي عليك أن تدفع ثمن إهدارها. أما الفريق النيجيري الذي حل ثالثاً في مجموعته، فقد كان خصماً لا يستهان به إطلاقاً أمام الأرجنتين، وقدم مباراة كبيرة، وهدد مرمى التانجو، وكان عبوره سبباً لحالة الهستيريا التي غمرت جماهير الأرجنتين في الملعب، وكاد بسببها يسقط مارادونا من المنصة. لم يكن يليق بالأرجنتين إطلاقاً أن تودع، وفوزها انتصار للكرة الجميلة ولمفردة من مفردات كأس العالم، لكن وداع منتخبات مثل نيجيريا أيضاً يظهر الوجه القاسي لكرة القدم، التي تعصف بأحلام الصغار، حتى لو تمردوا على كونهم صغاراً، وقدموا ما قدمه «النسور». الآن، باتت الأرجنتين في مواجهة الحقيقة، أمام فرنسا، وعليها أن تثبت عملياً أنها مازالت كبيرة، وأن ما حدث أمام آيسلندا ثم كرواتيا لا يعكس مستواها الحقيقي، وأن بإمكانها أن تمضي إلى حيث تريد.. أو حيث يريد مارادونا «الجالس هناك» منذ 86. كلمة أخيرة: بقدر ما تقترب من أحلامك.. تقترب منك