نشاهد كأس العالم بعين، ونتابع ما يكتب عنها بعين أخرى، فالمونديال لدينا ليس ما نراه في الملعب فقط، ولكن ما تكتبه الصحف أيضاً، والحقيقة أن الإعلام العالمي في المونديال يشبه تلك الكرة التي نراها، والحقيقة أيضاً أن إعلامنا مقارنة بهم أفضل كثيراً من حال منتخباتنا التي تذهب لتعود دون أن تقدم جديداً أو تسعد جماهيرها التي لم تتوقف عن الحلم رغم خيبات الأمل. وعقب مباراة إنجلترا مع بنما، بسداسية كاسحة للإنجليز، خرجت صحيفة «الجارديان» البريطانية، تطالب منتخبها بالتواضع، وألا يفرطوا في احتفالاتهم، قائلة: «تواضعوا.. إنها بنما»، وهو عنوان لم يكن أبداً للتقليل من المنتخب البنمي كفريق مكافح، ولكن لتأكيد أن القادم في مشوار الإنجليز لن يكون بهذه الرقة، وربما لن يتمكن هاري كين من التسجيل بهذه السهولة، وأتذكر هنا ما حدث في عام 1993 حين سجل لاعب سان مارينو ديفيد جوالتيري في مرمى إنجلترا بعد 8.3 ثانية في تصفيات كأس العالم 1994، وانتهت المباراة بفوز إنجلترا بسباعية، ولكن أكثر ما أحزن الإنجليز ليس فقط الخروج من التصفيات بفارق نقطتين عن هولندا، ولكن هذا الهدف السريع، وعنونت صحيفة «الديلي ميرور»: نهاية العالم..! واعتبر هذا الهدف بمثابة إهانة وطعنة لكبرياء وعراقة الكرة الإنجليزية. بنما التي صعدت إلى كأس العالم لأول مرة في تاريخها بعد فوزها على كوستاريكا بهدفين مقابل هدف في ختام تصفيات الكونكاكاف، احتفلت بهدفها الوحيد في مرمى الإنجليز، وبدت سعيدة بما حققت، فإنْ تذهب فقط، كان سبباً كافياً للسعادة.. هكذا المرة الأولى.. هي أيضاً تواضعت وأدركت أنه يكفيها ما حققت، وأن تظهر على مسرح الأحداث أمام «الأسود الثلاثة»، فقد كان ذلك سبباً كافياً للبهجة.. قطعاً لم تظن أن بإمكانها أن تعبر هذا الطوفان، لكنها لعبت، وخرجت بهدف سيبقى في تاريخ المونديال وفي تاريخها وفي ذاكرة شعبها، ينسج حوله الحكايات في أمسية على «الكاريبي». تجربة بنما، وما نقوله عنها، لا ينسحب على منتخباتنا العربية بالطبع، قياساً بوضع الكرة لدينا، وما ننفقه عليها، وبالاستعدادات ومرات التأهل للمونديال، وكذا أوزان المنافسين في الأدوار الأولى، وبالنظر لكل ذلك، فما فعلته بنما أفضل مما فعلنا.. بنما لعبت وخسرت، لكننا في مرات كثيرة، لم نكن نلعب.. لا نهاجم ولا ندافع، والمحصلة واحدة.. هم خسروا ونحن خسرنا. منتخب بنما أو «المد الأحمر» كما يلقب، هو وإنْ خسر المباراة، إلا أنه احتفل بكتابة أول سطر في كتاب تاريخه المونديالي.. كلنا كنا كذلك في المرات الأولى.. لكنهم إنْ عادوا قطعاً لن يكونوا مثلنا. كلمة أخيرة: الخسارة وحدها ليست سبباً للحزن.. أكبر الأحزان تصنعها «الخديعة»