في صلب الموضوع، من لب القضية عند العمق، نجد بعض الناس يكون في الخارج يكون عند الحافة، يكون بلا أجنحة ترفرف به في الفضاء وعند شغاف السحابة وهكذا تضيع الفكرة، ويتوه العقل بعيداً عن الحل. اليوم عندما يطرح موضوع، أو يفصح عن قضية ما، نجد الكل يرفع من أطراف ثوبه، ويدخل في البحر، ويخوض بلا دراية ولا معرفة بفنون السباحة، الأمر الذي يجعله يغرق، ويذهب إلى اللا شيء، ولا يجني أحد سوى الثرثرة، والنقنقة، والقهقهة، والزعيق، والنهيق، والشهيق. قدرات فائقة في بث الفوضى والعشوائية في فتح الحوارات الأشبه بطنين الذباب. ونحن في عصر بأمس الحاجة إلى الحوار البناء، والنقاش المفيد الذي يغني لا يفني الذاكرة، نحن بحاجة إلى الالتقاء عند كلمة سواء تفضي بنا إلى غاية المعنى المجلل بالدلالة الواضحة، والممكنة الحصول. نحن اليوم نواجه موجة عارمة من الضبابية، والغشاوة أعمت الأعين، والضجيج أصم الآذان واللغط وضع العقل في قعر المستنقع الرهيب، ولم يكن للجماعات المتطرفة أن تنمو وتعشش، وتتفشى في العالم لولا وجود مثل هذا الوجدان البشري المهيأ لاستقبال الأفكار الجاهزة، بعد الوقوع تحت الأسقف الخفيضة والضيقة، التي كتمت الأنفاس، ولم تدع للهواء النقي أن يدلف إلى رئة الإنسانية. نحن اليوم نخوض معركة مصيرية فأن نكون أو لا نكون، ولكي نكون يجب أولاً وقبل كل شيء أن نتصالح مع أنفسنا، وأن نعترف بالآخر المختلف مهما كان مستوى هذا الاختلاف، فإمبراطوريات عظمى ولت وأدبرت، وتلاشت لأنها تورمت، وتضخمت، ونفت الآخر، وصارت تلج بحار المعرفة بمفردها وتمسك بالعصا من طرف واحد حتى تكسرت العصا، وخاب ظن الجلاد، وبقي وحده في قلب العاصفة دون مرادف، ودون طرف آخر لقطب الجاذبية. الرومان عندما تجاوزوا حدود الطغيان، وتواروا خلف القوة الفردية ولم يعترفوا بقيمة التراث الفلسفي للإغريق ذهبوا إلى الوراء كثيراً حتى انزلقوا في حفرة الكبرياء المزعوم فأفنوا أنفسهم بأنفسهم ولكن أرسطو الأغريق، وكذلك أفلاطون ظلا إلى اليوم المدرسة التي تؤمها عقول البشرية وسوف يبقيان إلى الأبد، لأن الفكرة المتوجة بالمعرفة خير بألف مرة من الفكرة المكللة بالرغبة المزيفة. هكذا هي الحياة تسير، ومن دون أفكار، هي مثل الطير بلا أجنحة، والذين يحاصرون الفكر الإنساني بالحماقات أنما يريدوننا أن نذهب نطير من دون أجنحة، هكذا هم يفكرون لأنهم بلا طائل يبحثون عن مجد وهمي، وعن خرافة تسكن في أعالي أمخاخهم، وهم يسكنون في قاع الوجد الجاهلي.