عندما يخرج الضباب من فناء الكون، تبدو الشمس مثل قلب صافٍ لم تدخله غمامة الكراهية، فتنثر شالها الذهبي في نهار بهيج، يعمه الفرح وزغاريد الصغار وغناء الطير، هذا الزائر الجميل، بعنقه الممتد إلى السماء مثل الشهاب، ومنقاره الوردي مثل أنامل مخضبة بحناء الأمنيات الكبيرة. عندما يرفع الضباب شراعه الرمادي، وتطل أهداب الشمس من ثنايا الوجود، مبتسمة ملتئمة منسجمة مع تفاؤل الصباح، تشعر أنت الجالس على رصيف أيامك، وكأنك تقلب بين أصابعك حبات بلورية، تتلألأ وتصدر وشوشة حميمية، تعيدك إلى زمان العطر، وبخور العباءات الملتفة على خصر وحشمة. في هذا اليوم كل شيء صاف ومبهر، والحياة تنسكب على القلب مثل شلال نقي نظيف لا تسومه كراهية، ولا تؤذه رعشة حقد، فكل شيء يبدو وكأنه يعيش في عيد ميلاده الأول، الشمس والأرض والناس والطيور والوردة التي تقطن بجوار السور القديم في البيت. عندما يحل الصفاء، ترى الأشياء كما هي ومن دون غموض أو رضوض، ترى حتى وجوه الناس صافية، ومن دون ملح الإخفاء والأقنعة والزيف والأدوار المرتبكة. عندما يغيب الضباب ويحل الصفاء، تبرز في الوجود الأحلام الصافية، والرغبات والأمنيات والتطلعات، فلا أحد يفكر في أوسع من حدقة العين، ولا أحد يكذب، لأن ضوء الشمس كاشف ولا يسمح بمثل هذه الاختلاسات الأخلاقية. عندما يذهب الضباب، تبدو الأرض مثل كرة بلورية، تلمع بصفاء ما يجعلك تحس، وكأنك تستحم في ماء نهر تطوقه الأرض بحزام من حرير، تسترخي ولا يضطرك زمنك إلى اتخاذ إجراءات احترازية، لأنك تعيش في الوضوح، وتترعرع في ازدهار فصولك ونماء أشجارك التي ارتوت من الماء وليس من الضباب. في هذا اليوم المشمس، تهنأ أنت بالصور التقية، وتسعد بالوجوه التي لم تغشيها غاشية التمثيل، وترى النجوم ليلاً مثل عيون العاشقات، لها بريق أسطوري، يجذبك إلى أبدية الحب، يأخذك إلى مناطق واسعة من الحيوية، هناك تنتعش خلاياك، وتنمو أعشاب القلب في ريعان النهار وازدهار الليل، والأشياء من حولك، تحيطك بالطمأنينة، ولا شيء يعرقل فرحتك، لا شيء يعيق ذهابك إلى الحياة، وأنت رافع رأسك مثل شجرة السدر، وطيورك هي هذه الأفكار النبيلة، والأعشاش غيوم بيضاء تظلل رموشك، وتكسبك مزيداً من الانتماء إلى الوجود، لكون الغيمة هي من صنع تلاقي الحرارة بالبرودة. في هذا اليوم عندما تنهض الشمس بعد غياب، تشعر بقيمة الصفاء، وأهميته في صناعة مخمل الحياة، وخياطة قميص العلاقة بين الإنسان والإنسان. في هذا اليوم، تكشف لك الشمس عن سر حراستها للكون منذ الأزل، وأسباب وجودها في فناء الحياة.