عندما تنعم بسلامك الداخلي، فإنك تذهب إلى العالم، مثل النهر تسقي وتروي، وتملأ فراغات الدنيا بأشجار الود والألفة والمحبة والسلام والوئام والانسجام، لا تفكر أبداً في غير الانتماء إلى الوجود، ووجودك يمثل كل الكائنات، من بشر وشجر وطير وحيوان. عندما تمتلئ بالحب، فليس لديك ما تخبئه من مشاعر الدفء، وليس فيك غير ما أنت تمتلئ به. نخطئ عندما نطالب الآخر بأن يحبنا، ونحن نذهب إليه بأوعية ممتلئة بحامض الكبريتيك، الذي يقتل الأحياء ويفتك بالبشر والشجر، ولا يبقي ولا يذر. نحن نخطئ عندما نفكر بحقيقة الآخر، ونحن نجهل حقيقتنا، ولا نعرف عن أنفسنا غير علاقتنا المريضة مع الآخر. الوعي وحده الذي يحدد مدى سلامة سلوكنا، وهو وحده الذي يرسم لنا طريق النجاة من عذاب الكراهية. يقول يسوع عليه السلام، أنا أشفق على أعدائي قبل أصدقائي، وهذه حقيقة وجودية، فمن يعيش في تتبع سلوك الآخرين، ينسى سلوكه، ويغفل عما يفعله، وبالتالي يتصرف كالأعمى، لا يفرق ما بين قطعة الحجر التي يدوسها وزهرة القرنفل، وبالتالي فإنه يجرح أول ما يجرح، هي أصابع قدميه، فيمضي أعرج كما هو أعمى. فإن أحد منا لا يطمح إلى محبة الآخرين له، ولكن عندما يتحول هذا الحب إلى مطلب أناني، ومن طرف واحد، فإنه يدمر صاحبه كما يدمر الطرف الآخر، فالحب الحقيقي يبدأ من سلامة وجداننا من الغش العاطفي، ويبدأ من نظافة قلوبنا من رواسب التاريخ، ويبدأ من عزمنا على الذهاب إلى الآخر، ونحن بعقل لم تعلق به بقايا صدأ الأيام.. الآن العالم يتجه إلى علاقات واسعة في تبادل المنفعة، وكثيراً ما تفسد هذه المبادرات، لأنها مبنية في الأساس على المصلحة الذاتية، دون الأخذ في الاعتبار بمصلحة الآخر، ما يقلب الهرم رأساً على عقب، فتتحول المحبة إلى كراهية، والعلاقة الندية إلى مواجهة بين ضدين غير متساويين في الرغبة والطموح، وهذا ما يشعل الضغينة ويلهب نواصي العلاقة بين الأطراف، العلاقة الإنسانية بحاجة إلى السلام، وإلى تنظيف الغابة من الوحوش، لتعيش غزلان الحياة بأمان، ويبقى العشب يانعاً مدى الحياة. الإنسانية بحاجة إلى السلام، ومد الحقول بالماء العذب كي تنمو الأشجار وتثمر الأغصان ويخضر العشب وتزدهر الأزهار. الإنسانية بحاجة إلى السلام، وإلى تنقية الغرف من الهواء الفاسد، ومنع تدخل الجراثيم بين الملاءات والشراشف. العالم بحاجة إلى السلام، لأنه الكائن الذي يمنع تسرب اضمحلال الحضارات، وأنيميا التطور، وجفاف الغيمة وقسوة الريح.