قال لي: أعيشُ في حيرة من أنا. وما الكلمة حين أمحوها، وكيف أخطف الشمس قبل غروبها وآكلها مثل برتقالة عذبة. عشتُ أصفّقُ للطائرات وهي تغادر، وما مرّت غيمة يوماً فوق رأسي إلا وكتبت على ظهرها نداء حبيبتي. ثم جلس يروي لي عن بشرٍ يشبهونه، ومن بينهم الشاعر الذي ظل يغمغم بالمبهمات حتى انتفخ فمه بحجم منطاد. والشاعر الذي يتمضمضُ بالحروف ويشرب الحبر عصيراً طازجاً كي يكتب قصائد يومية عن شرود القمر. وأيضاً الرجل الذي كلما خلع قناعاً خسر وجهه، والصبيّ المغموس في شقاء الظهيرة، والطفل الذي لم تحمله يدٌ قط. وقال لي: البحرُ كتاب النسيان، ثم حدثني عن قبطان استبدل قلبه بالبوصلة فصار ملكاً أزرق على المحيطات. وعن بدويّ كان يلقّب الصحراء بأنها أخت الدهر، وكان يرفع حفنة من ترابها ويذروها في الهواء صارخاً هذا أصل الذهب. قالت لي: لست جميلة في المرايا، لكن شَعري هو الليل مطرزاً بفضّة اللقاء، وجوانحي فيضان شوق هادرٍ وعلى شفتيّ أغنية من حنان. نقشتُ على حرير الوعد اسمينا وسوّرتُ لك المساء بمليون شمعة، فتعال. اقشع من رؤاك غمامة الحذر، وانزع ثياب الشك كي نُكمل ارتفاعنا نجمين يتحدان في زهو سماءٍ حرةٍ. سنجلسُ متقابلين، أصابعك مشطي، ووجهكَ لوحةٌ اُفضّل تركها بيضاء. وحين سنغمضُ عينينا، سيسمعُ الكون ابتهاج روحين في رقصةٍ خالدة. وقالوا لي: الغصن، حين سقط، صار عكازاً ومشى. النُحاسُ معدنٌ نحس. لا يُرى طائر الحرية إلا من قفص. الحبُّ شلالُ نارٍ، لكنها بيضاء كالثلج. المرأة الجميلةُ، لو قتلتك، رحمة. القيامة تبدأ، حين تنسحبُ يدك من يدها. الحرب تبدأ، حين فمك وفمها، متخاصمان. أصلُ الغرور الحنق، لكنه على وجهها تاجُ ألق. حين ابتعدْ، لم يبقَ لنا كمال، ولا سعد. جرحُ المسافة أن تقف، ودواؤها لو تطير. العارُ أن تُعار إلى غير ذاتك. ابحث عن الخوف لتطرده، إنه يسكن رجليك. ابحث عن الحب لتسكنه، فهو ما يبقى لديك.