أرسل لي أحد الأصدقاء تلك الفكرة التي يتحدث فيها “بيل سكوت” عن معنى الصدق والصداقة أوجزها: صديقك هو صديقك مهما تكون، سواء كنت رئيس دولة أو حزب أو أنجح شركة بالعالم أو كنت تملك المليارات من الأموال، إياك ثم إياك أن تتعامل معه كأحد موظفي شركتك أو حزبك أو حكومتك التي ترأسها، ابتعد عن إعطاء الأوامر إليه، وإن كنت تعيساً اجتماعياً إياك أن ترفع صوتك عليه، لا تتعامل معه كأحد مشاكلك، فقط افهم بأنه لا يعمل لديك مهما كنت مدللاً، إن الحصول على صديق حقيقي بعد سن الأربعين من أصعب ما تتخيله، لأن بعد هذه السن تتبرمج الصداقة إلى مصالح مختلفة، وهنا تضيع درجة الصديق الصادق، وإياك وخسارة الصديق الحقيقي، وخصوصاً إن كان حساساً في تعامله معك أو مع غيرك، وإياك أن تغلق الهاتف في وجهه أو يكون عذرك من الأعذار المعروفة والمملة، فقط اعتمد الجملة الحقيقية عند الاعتذار، لأن الأحاسيس الصادقة تتقبل الجمل الحقيقية والصادقة في جزء من الثانية، ومن لا يقدر أن يمارس هذه التعاملات مع الأصدقاء، سيخسر صداقة أقرب الناس له مهما كان بارعاً في الابتسام، لأن بإمكان حتى الكلب أن يستشعر إن كنت صادقاً بالتعامل معه أم لا، وأعرف أن عدم صدقك هو عدم صداقتك بالتالي، وأعرف أن الأموال لا تأتي بالأصدقاء الصادقين، ولا يمكن أن تجلب حبهم، العفوية المجردة وحدها في التعامل معهم تقضي على ذنوبك تجاههم، وتزيد تعلقهم بك، وإياك أن تحسسهم بالدونية الاجتماعية كمقارنة بحالك وبأموالك، وتذكر مفهوم الخل الوفي، وصديقك من صدقك لا من صدّقك، وتذكر أمراً مهماً، وحدها بائعة الهوى التي تنتقل كل يوم من حضن إلى حضن، وحين الحاجة لا تجد حضناً صادقاً يخفف من جرح عميق في الداخل.
هل نفقد في هذا الوقت مفهوم الصديق، ومفهوم الصداقة، تلك التي لا يمكن أن تفسر بأرقام، وبلغة مصالح، سرها في تلك الأحاسيس الدافئة التي لا نعرف من أين تخرج، لكنها بالتأكيد غير بعيدة عن دفء الضلوع، وغير بعيدة عن تجاويف القفص الصدري، قريبة لا محالة من تلك العضلة الكمثرية التي تنبض بالحياة، لكن هل تكفي تلك الأمور لنختار الصديق، ونأنس بصحبته، ويكون جزءاً من الذات؟ أم يتدخل ذلك العقل الذي يفسر الصغيرة والكبيرة، ويميز الأشياء، صعب ربما يبدو السؤال، لكن إجابته لا شك أنها بسيطة، فلكم أن تعدوا كم من صديق سمحنا له أن يدخل القلب من دون أن نشاور العقل، لكن العقل وحده من يبقي الأصدقاء في منزلة قريبة من منزلة النفس، وحده من يزيد حبهم، ويسمح بخروج تلك الأسرار العميقة المظلمة من الداخل إلى نور قلوبهم البيضاء، فيظللونها ويضمدونها ويدفنونها معهم، حينها تبكيهم العين بحزن يدوم.. ويدوم.


amood8@yahoo.com