ذات مرة وفي إحدى مدن ولاية أميركية هادئة، ألقي القبض على رجل إطفاء، اتضح أنه كان وراء إشعال الحرائق في المدينة بين فترة وأخرى ليبدد الملل والرتابة اللذين يشعر بهما، وجرت محاكمته لينال العقاب الذي يستحق جراء تعريضه حياة الناس للخطر والإضرار بممتلكاتهم والمرافق العامة. نحمد الله أنه لا يوجد بيننا أمثال هذا الطائش وغير المسؤول، ولكن ما ذكرني به الواقعة التي شهدتها رأس الخيمة الأسبوع الفائت عندما قام بعض العاملين التابعين لدائرة الخدمات العامة في الإمارة بإلقاء مخلفات وزجاجات فارغة في منطقة شاطئ شعم عشية انطلاق حملة تطوعية، وذلك من أجل «إنجاح» الحملة!!. نحيي الشفافية العالية التي تعاملت بها الدائرة بعقدها مؤتمراً صحفياً كشفت فيه ملابسات ما جرى ومحاسبة العمال والمسؤولين عنهم في تلك الواقعة التي كشفها مقطع مصور جرى تداوله واستفز أبناء المنطقة والأهالي، ودفعها لإلغاء الفعالية برمتها، حرصاً على مصداقية الدائرة التي تبذل جهوداً كبيرة وملموسة في مختلف مناطق رأس الخيمة. وما يستحق التقدير إلى جانب الموقف الغيور للمواطنين الذين تصدوا للأمر، هو موقف الدائرة ومديرها العام الذي أكد رفض تلك الممارسات الخاطئة والسلبية، واتخاذ الإجراءات كافة بحق المسؤولين عنها وتطبيق القانون بكل حسم. ودعا في الوقت ذاته الجميع للإبلاغ عن أي سلبيات أو قصور قد يرونه لأنه- وكما قال- المسؤولية على الجميع، والحفاظ على النظافة والبيئة مسؤولية الجميع. وما استحق التقدير أيضاً أنه لم يتوعد ناشري المقطع المصور أو هدد بملاحقتهم بتهمة الإساءة للدائرة، لأنه أدرك أن المسيء الحقيقي لها هو الذي سمح لأولئك العمال بأن يقوموا بما قاموا به. الواقعة تكشف كذلك الخيط الرفيع بين تداول المقاطع المصورة لتوجيه النقد البناء أو الإساءة والانتقاص من هذه الجهة أو المؤسسة، فبعض الجهات تنظر للأمر كما لو أنه مؤامرة على جهودها وأعمالها والتشكيك في إنجازاتها، ويتناسون الواقع الجديد الذي فرضته الهواتف الذكية التي أصبحت بحوزة الجميع، بما في ذلك صغار السن، وأن المعلومة اليوم لم تعد تنتظر أن يتكرم بها على الرأي العام مسؤولو الاتصال في الجهات الحكومية ممن تجاوزهم الزمن، وتجاوز أداءهم السلحفائي. وتثير الواقعة الجدل مجدداً حول من يمسك بالخيط الرفيع ويحدد المسؤولية بين الغيور على المصلحة العامة، وبين الذي يسعى للإثارة والإساءة لغرض في «نفس يعقوب»!!.