سمية بالخير من المدرسات المتفانيات في عملهن وهي في الوقت ذاته مثلي الأعلى في الحياة فبفضل مثابرتها لمست حرير العلم ولبست آمالا تحلق بي فلا افكر في الثابت أو الصامت أو المتقهقر. وهي بالنسبة لي معلمة بالفطرة، إذ تعلم منها القريب والبعيد في فصول الدراسة وفي مراحل الحياة فجاء شغفها بالمهنة ظاهراً يكشف واقعاً ملموساً. وبعد غداء الجمعة والضحك و تدارس المستجدات أكلنا الحلويات وشربنا القهوة وجاء أذان العصر، فقلنا إلى اللقاء فوجدت جسدي بين يديها وسمعتها تهمس في اذني: أنت مثار فخرٍ لنا جميعاً. فوقف الوقت وعادت عقارب الساعة إلى زمنٍ ترسخت فيه مقولة “قف للمعلم ووفه التبجيلا... كاد المعلم أن يكون رسولا” وافترقنا حباً يزيد. وبعد صلاة العصر جاء اتصال ام خالد لتقول: “يا لغالية، تعالي ويايه يوم الأحد بنسير المدرسة، الابلة منعت بنتي من دخول الصف وقالت لها أول امك تحضر وعقب بنشوف!” ومن البديهي أن أسأل: “خير شو سوت فلانة؟” فردت: “من نشت من رقادها وهي تشتكي من ويع في بطنها، فتنت عليها وقلتلها بتسيرين المدرسة يعني بتسيرين، يلله عن الدلع هذا؟ ثرها يا لغالية في حالة من الغازات وما رامت تيود عمرها في الصف، نشت الابلة وراغتها لين ما أحضر ونتكلم! شو ها النشبة وشو ها البلاء”. فقلت لها :”هين.. بنحضر دبا وبنشوف مقيضها”. وفي المدرسة جلست ام خالد مستمعة لقصة سردتها المُـدَرِسَةُ بأنها كانت خارج الصف وعندما عادت إليه سمعت ضجيج الطالبات وردة فعلهن فطردت البنت من دون سؤالها عن حالها. فسألتُ ساردةُ القصة: هل عالجتِ الأمر بطريقة تعلمت منها الطالبة بأن سلوكا مثل هذا لا يُحبذه الدين والمجتمع ؟ فردت: “خليتها توقع على تعهد ولزقته على جدار الصف”. فسألتها ام خالد: “وليش رغتيها من الصف؟” فردت المدرسة: “عشان حلفت ما ترد إلا بعد حضور الوالدة، بس عقب يومين كفرت عن حلفتي وخليتها ترجع الصف، وكل شيء كان عاديا. أنا ما ادري ليش انتوا مسوين من ها السالفة سالفة عوده؟!!” وأكتفي بهذا القدر من التفاصيل وسكن في فضولي سؤال: هل يُـعَدُ قَسَم المعلم وطرد طفلة دون العاشرة من العمر من فصول التعليم لأسباب صحية وخارجة عن إرادتها من مخرجات التعليم؟! وما الذي تعلمته الطالبة من توقيعها للإقرار وامتثال المُـدَرسة بالإجراءات؟ وعزلت نفسي اُفَكِرُ في فكرة ومبدأ المُـدرس الشامل الذي يصنع من المواقف السلبية فرصا للتعلم الإيجابي فيحل محل الأم والأب ليكون معلماً ومربياً في الوقت نفسة. وعلى عكس ذلك يبذل بعض المدرسين قصارى جهودهم للتميز بالأرقام القياسية ووسائل التعليم المبتكرة التي تُكسبهم درجات تقييم متفوقة، وينسون المخرجات الأساسية للتعليم فلا نقيس أداءهم بفهم أبنائنا للمناهج أو معالجة المعرفة أو ذكائهم الاجتماعي وسلوكياتهم المكتسبة بل يقاس ادائهم بوسائل اقناعهم للموجهين والُمقيِمين ومدى امتثالهم للإجراءات والقوانين. لذلك نحترم المعلم الشامل الذي يفهم احتياجات هذا الوطن ويلبي خدمته الجليلة بمهنية وتقدير. فهنيئاً لكل معلمِ ذي ضمير من أمثال سمية بالخير نقف لهم كما نقف للوطن. bilkhair@hotmail.com