أريج الماضي لا يمكن تصويره في هنيهات عابرة، بعد أن قضى وبقيت منه نوافذ تطل على السنين. بهذا المعنى فإن فيلم الأديب ناصر الظاهري الفائز بجائزة أفضل مخرج في مهرجان دبي السينمائي، هو ترجمة حقيقية لجماليات الحياة وجدلية الماضي المتجدد إلى أبعد حد. والصورة هي رهن الذاكرة وامتدادها، إذ يستقي منها ما يعزز الوجود الإنساني عبر السير الذاتية ومفاصل الأمكنة التاريخية والمهمة. ففي طيات الفيلم تظهر وجوه انتصرت على الزمن، فتحدثت عن حقب مختلفة. فلم تغب ذاكرة مدينة العين عن ذاكرة السيد عبدالله هلال، ولم يحد السيد رامس خميس عن عالم النخل وهو يحمل رائحة جذورها، ولم يكن السيد الحظ بن مصبح بعيدا عن أمثال وثّق لها، ومثلهم كان سائر من حضروا في الفيلم. فللماضي لغته الثابتة ونشوته المتجددة، خصوصا حين تتحدث هذه اللغة بالأبعاد المختلفة عن أجمل ما في الماضي، وهذا ما لمسه كل من شاهد فيلم المبدع ناصر الظاهري التوثيقي «الماء والظلال والأهل»، فكانت اللحظات السالفة حاضرة بمعناها على مدى ثلاث ساعات، فلا تحيد الصورة عن العين المتلقية وربما لأن المشاهدة كانت عبر القلب ومن القلب. لذلك فإننا لا نكتب عن مجرد فيلم وثائقي وإنما عن تلك الملامح التي لا يمكن أن يصدقها القادم إلى هذه الأرض من مقيمين، الذين لم يتعايشوا مع التراث الحقيقي للإمارات، فجاء الفيلم لكي يمنحهم تلك المتعة. ومن الأجيال القادمة حضرت أروى ناصر الظاهري، وحضر نسيج من الأبناء الذين يمتد بهم الزمن نحو المستقبل، ويحمل فيهم نبض الحياة. لقد نجح المخرج ناصر الظاهري في أن ينسج كل ما هو ممكن من صورة الإمارات الزاهية وعمقها الثقافي والتراثي، فجاء نسيجه بعيدا عن الخيال قريبا من القلب، وبالتالي فإن هذا المولود ولد مكتملا قادرا على الجذب وضخ الذاكرة بماء اللمعان.  من هنا كان توهج جذور الإمارات بصوتها وليلها ونهارها، الذي لا يمكن لأي فرد أن يعرف خباياه إلا من ولد بين حقبتين، الأولى مطلية بالشقاء والثانية انعكاس فطري أصيل في كل خطوة.. أما مخرج العمل فنبارك له فوزه بجائزة المهر الإماراتي، وهو يستحق كل التقدير.