من الأفلام الممتعة التي شاهدتها في مهرجان دبي السينمائي مؤخراً الفيلم الصيني «بيهيموث» أحد الآلهة في الأسطورة الصينية والذي يتحدث عن آلات العصر الحديث التي تطحن الأرض وتقتلع خيرها وهواءها لتصدر التلوث لإنسانها، والأمراض القاتلة للمحيط الذي يعيش فيه، من أجل بناء إسمنتي أو زجاجي تتباهى به المدن الحديثة، في هذا الفيلم يتعرض المخرج الصيني «زاو ليانغ» لعمل الكسارات ومعامل صهر الحديد والمناجم. ولعلها من الصدف أنني شاهدت قبل أسبوع فيلم «13» الذي يحكي عن مأساة ثلاثة عشر عاملاً من عمال المناجم في تشيلي يضطرون أن يبقوا في المنجم بعدما انهار عليهم قرابة الشهرين يصارعون من أجل البقاء، حتى أصبحت قضيتهم عالمية تعاونت فيها بلدان كثيرة كل بخبراته لإنقاذ هؤلاء العمال البائسين وإدخال الفرحة لقلوب أسرهم، وهي قصة حقيقية تحولت لفيلم أكثر من صادق، وكيف الإعلامي والسياسي والتاجر وفئات شتى في المجتمع استغلت قصتهم ليستفيدوا منها كل بطريقته وعلى طريقته، فقط العمال كسبوا حياتهم، ولم يكسبوا أي تعويض عن مأساتهم ومعاناة أسرهم. في الفيلم الصيني الشاعري يطرح بطريقة «دانتي» في «الكوميديا الإلهية» الجحيم ولكن على الأرض وكيف تمضي حياتهم القصيرة حيث عدت اليونيسكو مهنة مثل هؤلاء العمال من أصعب المهن في العالم وعادة لا يعيشون بعد الخمسين.. نتيجة التلوث الذي يحيط بحياتهم والذي ينتقل للمدن حيث بلغت بعض المدن مثل بكين ومانيلا وبعض المدن الآسيوية وفي بعض دول أميركا اللاتينية معدلات في التلوث المناخي إلى خمسة أضعاف المعدل الطبيعي، حيث تصل 290 في حين المعدل الذي ينذر بالخطر هو 50 درجة، حيث يجب أن تشل فيه حركة السيارات والمصانع ويلزم الناس دورهم ولا يخرجون إلا بأقنعة واقية. هذا حال السكان فكيف بحالة هؤلاء العمال الذين هم سعير النار، وهم زبانية الجحيم، حيث يعملون على موتهم السريع وغير المؤجل والنتيجة بناء عمارات تجارية لشركات تتبع القطاع الخاص وهجمة الاقتصاد الحر الجديد لكنها هي مدن وإن كانت عصرية لكنها خالية من أي روح غير أرواح هؤلاء العمال الذين قضوا نحبهم أثناء صهر حديدها أو تكسير صخورها أو اجتثاث أشجارها حتى أصبحت تعرف في الصين وبعض بلدان آسيا والعالم بأنها مدن الأرواح والأشباح.. في هذا الفيلم غير الروائي الشاعري يظهر لنا جنتنا من خلال جحيم الآخرين!