العين، على ملاءة الأخضر اليانع تغفو بعفوية الأساطير، وفي هدأة الليل البهيم يغرد الشجر تحت شرشف السماء الزرقاء، الكون هنا يحتفل بجدائل النخل، وضفائر الغاف، الكون يغسل حريره من سحنة الرمل المذهب ويرتدي جبل حفيت حلته الليلكية والناس فراشات تحلق عند الربوات الخضيبة، وكل شيء يبدو في زيه المنقط بالأخضر والأصفر والنوافير في المبزرة عمالقة من الزمن الجميل. في كل مكان ترى الله يده ممدودة، مبسوطة على رمل الذاكرة، كل شيء يغدو في البهجة الطبيعية تظاهرة تاريخية جاءت من عمق الأزل، الكائنات الحالمة تواكب الأبد، لأن العين، عين الإمارات التي كحلت بأثمد الحياة، لأن العين رموشها من جدائل الشجر وأغصانها من سواعد البشر والأحلام، أنامل الصغار تنحت على الرمل، ما سطره زايد الخير طيب الله ثراه، وسجله في ملحمة تاريخية زخرت بالحياة والحيوية والزهور مثل قماشة الحرير على جسد الأرض، فضفاضة، فياضة باللون والرائحة، الزهور كائنات أسطورية تنبت إلى الوجدان فيسطع لونها كأنه الموجة العارمة تحرك سواحل الوقت وتفشي أسرار العشق والعشاق والأشواق، وما جادت به الأحداق من مزاج راقٍ بالشعر كما فاق في التصوير وحقق الأمنيات بقوة الإرادة والطاقة الإيجابية. العين.. واحة الطير وباحة الشعر واستراحة البشر، هنا في الخضم الرحب يرحب الطير والشجر ويسري في الروح، صوت قديم فحواه قصيدة أبياتها من خيوط العشب، والوزن يرتله طائر غرد وأفرد سيمفونية الوجود والقافية، نخلة فارعة سبحت لله تعالى وشكرت يداً غرست وأسقت وأولت العناية والرعاية والحماية لكل حي تنفس الهواء من فضاء الأرض الطيبة. العين.. مثل امرأة رداؤها العشب القشيب وقلادتها أغصان نخلة أينعت فتفرعت وسمقت وبسقت فأعطت من سعفها خيلاء للأرض، والطير في العرس البهيج صفق نشواناً والناس في حضور التاريخ لونوا العيون بالفرح ونافت ركابهم في حبور وسعادة. العين.. الوجد والمجد والوجود والجود ونجود تخضبت وتعطرت وتبخرت ومدت للأفق فكرة مطلقة مدت للغسق نظرة متدفقة مدت للحياة مشاعر تنامت عشباً أزلياً، مدت للدنيا يداً من غير سوء قلبا صفحاته مملوءة براوية البدء عندما فكر حكيم العرب أن يجعل من الصحراء حديقة شهباء عطرها من أنفاس المحبين وعشاق الأرض. العين.. عجزت قريحة أفلاطون أن تأتي بمثلها منظومة مثالية لا مثال لها ولا نموذجاً.