في سوريا الغبار كثير، الجياد الجامحة، عفرت وكسرت ودمرت، خربت، وحطمت وهشّمت، وزلزلت، وأرعدت وأبرقت ولم يبق الحجر ولا الشجر ولا البشر إلا وعانى من الخراب والعذاب. الكل في سوريا يدعي أنه يحارب داعش، بدءاً من النظام وانتهاء بالدول الإقليمية والعالمية، ولا بارقة أمل تدل على حسن النوايا.. المصالح تتضارب، والأجندات تتصادم، والسياسات تخذل بعضها بعضاً، والخاسر الأوحد هو الشعب السوري، والمشردون الذين ينامون في عراء أوروبا، والغارقون في الأبيض المتوسط. وداعش يتوسع ويتمتع بالنفط السوري، وتكدس المليارات، لدعم بطشه وغدره، وقتله الأبرياء، وتدمير حضارة من أقدم الحضارات.. وحتى قبر أبي العلاء المعري، لم يسلم من تنكيل داعش، على الرغم من أن هذا الشاعر الفيلسوف لم يكن يوماً بعثياً ولا علوياً، ولا ردكالياً، ولا روسياً ولا أميركياً. ولم يزل الغبار يتطاير، ويغشي العيون، ويملأ القلوب، ويسد الدروب، ويزيد من الكروب، وتمضي الحروب، وربما تكون أطول من حرب داحس والغبراء، لأنها حروب سياسات خرقاء، ومعارك فاضت بالغش السياسي، وتاق أصحاب الأجندات إلى تحويل سوريا إلى ساحة لتنفيذ الأطماع والأوهام التاريخية التي لا حد لها، ولا هدف غير الخيالات المريضة التي جعلت من شعب عربي يعيش حالة التيه والضياع، وداعش رغم الادعاءات بالضربات القاصمة، لم يجد إلا المزيد من الانتشار والتفشي مثل الوباء العضال الذي لا علاج له، لأن من يدعي العلاج، لا يقدم إلا مسكناً للصداع، أمام المرض الأساسي فهو كامن على الحدود وفي معسكرات التدريب التي تضخ الفلول وتحشد الآلاف من أجل أن تبقى سوريا فريسة الأطماع، ولن يستفيد من كل هذا الغبار، إلا النظام السوري، وكذلك داعش، وسيظل العالم يرعد ويزبد، وستظل سواحل سوريا مشحونة بالبوارج، وحاملات الطائرات، والمدمرات، إلى أن يصحو العالم، فلا يجد إلا «شبه سوريا» وشعب حياته أقرب إلى حياة الصوماليين، الذين تخلصوا من زياد بري وجاءهم من هو أعتى وأبغض منه، لأن الحرية المطلوبة جاءت بقناع، فلم يَرَ أصحابها إلا لون الدم، وجثث الضحايا، وآثار سوريا المنهوبة، وروح أهلها المشخوبة.. والله المستعان.