تأكدت الآن، أننا لم نكن نتابع بطولة أفريقيا ونسهر لها، إلا تضامناً مع الأشقاء العرب، وكلما غاب منتخب، خبت جذوة الحماس لدينا، مثلما هو حادث هذه الأيام مع البطولة التى تستضيفها جنوب أفريقيا ونكاد لا نشعر بها، والسبب أن عدداً من أبرز منتخبات أفريقيا يغيب عن المونديال الأسمر، لا سيما المنتخبات التي كانت تصنع حالة السهر والترقب تلك، ولعل أبرزها مصر صاحبة الرقم القياسي في عدد مرات الفوز باللقب القاري برصيد 7 مرات، وذات الجمهور العريض بيننا، وكذلك السودان التي لها حضورها الجماهيري وكان كفيلاً بأن يحركنا بعض الشيء في غياب مصر، لكن بلدي وادي النيل، غابا معاً، فغابت معهما الكثير من ملامح وسمات هذا المحفل الكروي، حتى باتت أفريقيا منسية، وزاد من هذا النسيان، غياب منتخبات أخرى لها حضورها ونجومها مثل الكاميرون، والسنغال، وليبيا، وغينيا الاستوائية، والجابون، وبوتسوانا، وغينيا. في المقابل، رأينا منتخبات لم نكن نسمع عنها تحقق مفاجآت، مثل الرأس الأخضر، فيما عادت إلى المشهد القاري كل من نيجيريا وجنوب أفريقيا والكونغو الديموقراطية والجزائر وتوجو وأثيوبيا والأخيرة عادت بعد غياب 30 عاما. وحتى المنتخبات العربية لم تقدم المأمول، فقد ترنحت الجزائر والمغرب سريعاً، وربما تونس وحدها هي التي حفظت ماء الوجه العربي، بعدما كان الصراع العربي في البطولة أبرز ملامحها، ولا أحد منا ينسى الصراع المصري الجزائري أو المغربي والذي كان كافياً بحشد الجماهير لتحجز مقاعدها أمام الشاشات. تلك هي الكرة، فالمسألة لم تكن يوماً في مجرد أن تلعب، وليست في اصطفاف عدد من المنتخبات على خط الصراع، ليحشد ذلك المشجعين، لكنها تكمن أساساً في الشغف وفي تلك الحالة الجماهيرية التي تمنح الكرة رونقها و«الإكسير» الخاص بها، فالجماهير وحدها هي التي ترفع بطولة إلى عنان السماء أو تهوي بها، مع الوضع في الاعتبار بالطبع أن الأمر مختلف في الدول المشاركة حالياً كجنوب أفريقيا وغيرها من الدول. ولا شك أن غياب بطلين كبيرين، مثل مصر والكاميرون تحديداً كان له أثره البالغ، وهو في المشهد الأفريقي يشبه غياب البرازيل والأرجنتين عن كأس العالم، مع الفارق في السمات وفي اتساع قاعدة المحبين، لكن رهان أفريقيا كان كبيراً على منتخبات كتلك، وبغياب فرق من هذا العيار الثقيل، من الطبيعي أن تقد حدة الإثارة، كما أجزم أن أشياء أخرى تأثرت، لعل في مقدمتها التسويق والإعلانات التلفزيونية وعائدات النقل بالطبع، فأن تسوق شيئاً يحضره الجميع أسهل من أن تتصدى لبضاعة، لن يتلقفها الملايين بحماس، وهم جماهير تلك المنتخبات الغائبة. عموماً، تبقى البطولة فرصة للباحثين عن مكان «تحت الشمس»، وأولئك الذين كان يحبطهم وجود الكبار، إذ تتجه الترشيحات وبعدها بوصلة البطولة لصالحهم، وقلما تحيد عنهم، فاليوم باتت الفرصة متاحة لمن يمكن أن نسميهم أصحاب الأدوار الثانية و«الكومبارس» للتمني بأن ينافسوا على لقب هو منتهى حلم القارة، كما أنها فرصة لبروز نجوم جدد بعيداً عن إيتو وأبو تريكة وجدو، لنسمع عن أسماء جديدة، وفرق جديدة، وهو ما بدأنا نراه، وربما لولا غياب من غابوا ما سمعنا عن الرأس الأخضر ومنتخب «كاب فيردى» الذي أسمع عنه للمرة الأولى في حياتي. كلمة أخيرة: حين يغيب الكبار من الطبيعي أن يعم الصمت أو حتى الضجيج. mohamed.albade@admedia.ae