علاقة الأوروبيين بالفطور، خاصة الفطور المجاني في الفنادق، علاقة وطيدة، وثقة تتعزز كل يوم، ورابطة لا تنفصل عراها، تجد الواحد منهم يسحب نفسه من دفء الفراش ببيجامته، ويحضر ساعات الفطور، ولا يفوت لحظاته، وكله يقظة، وتأهب، وعاقد العزم أن لا تخيب غزوته الصباحية تلك، نحن إذا ما دفعنا ثمن الفطور مسبقاً، ومن ضمن سعر الغرفة، ما «نتريق»، وبعضنا يكون دافعاً ثمنه مقدماً، وكان مصراً عليه وقتها، وحين يأتي حينه، ينطمس تحت الفراش، ويتعلث: «والله ما أشتهي اليوم.. كبدي لايعة، وأشعر بصداع»، تقول يتوحم، طبعاً لا تشتهي من قلة النوم، واضطراب ساعاته، ومن التخبيص في أكل الليل المتأخر، وإذا قام صاحبنا، قام وهو يسحب رجليه، وعيونه مغمصة، ومغمضة، وبالكاد يقدر أن يفتحهما ليبصر خطواته، ويجلس يمزّ القهوة بتكاسل وتثاؤب، ويطالع الناس بشهيتهم المفتوحة، ويتفكر فيهم، ولا يتفكر في نفسه، خاصة والأوروبيين يفعلون العجب في الفطور المجاني، بحيث تقول إن الواحد ظل طوال الليل يحفر أو يحطب أو يكدّ السخام، فيهجم هجمته، ولا يبقي ولا يذر، تقول الآن سيكتفي.. الآن سيقول: الحمد لله، وهو والسيدة المصون صحن آت وصحن رائح، وكلما قلنا: آن لمعدته أن تقول لنفسها هل امتلأت؟ فتقول: هل من مزيد؟ وبعد تلك الحفلة لا ينسى أن يصر «غرمول موز» أو تفاحة أو لبن رائب في يده، ولكن تلك الوجبة ستصبره النهار بطوله، وسيقضي نهاره في المتاحف أو الأماكن الأثرية أو الأسواق القديمة، المهم أنه سيحرق كل الوحدات الحرارية، ولا يستبعد أن يمارس الرياضة بعدها، جماعتنا، يظل الواحد منهم يحرق أعصابه على بطن خاو، ولا تهمه الدراسات والبحوث العلمية بشأن أهمية الفطور في حياة الناس الصحية، وربما خزّن كل السعرات الحرارية التي يحتاجها الجسد في وجبة واحدة، وزاد، ويظل يتثاءب كأسد عجوز نصف ساعة، مشكلتنا الأساسية في الحياة وجبة الغداء، وكأنها وجبة مقدسة، وهي التي تورث الكسل والتخمة، وتجلب نوماً طويلاً غير مستحب، وتعطل وتيرة العمل، وتخربط إيقاع اليوم. ونظراً لأهمية الفطور في حياة الشعوب، تجد بعض الشعوب الآسيوية يفطرون على سمك نيء أو أعشاب خضراء لا تعرف من أي قاع جلبوها، بعضهم لا يتوانى أن يفطر على كباب ومعلاق وكبدة أو مقادم خروف، بعضهم ينهض مخصوصاً ليشوي سمكاً، الروس.. بطاطا ولحوم حمراء مشحمة وبيض من دون قياس، حتى يجعلونك تعاف الفطور رغم أهميته وضرورته في تقوية الإنسان على العمل الشاق، شعوب الشمال البارد يظلون يقصون من فخذ الخنزير المقدد والمعلق في المطبخ منذ شهور، قليلة الشعوب الراقية والتي تعرف الرأفة بحالها، وتتناول بيضة بيضاء من دون المُح، مع قطعة خبز أسمر، وقليل من المربى فقط!