وقفت طويلاً أمام عنوان هذا المقال. هل أسميه «حياة جديدة» لأني وجدت معنى جديداً للحياة التي نعيشها، أم «نورة» باسم المرأة التي أضافت لي بتجريتها فهم هذا المعنى. تعرفت على نورة منذ خمس سنوات في رحلة سفر، وأكثر ما يخطر في بالي بمجرد أن كنا نأتي على ذكرها، البكاء والصراخ الذي كان يملأ المكان إذا جاء وقت الإبرة لاختبارات الدم لإجراء الفحوصات الطبية في ذلك البلد. يتكرر هذا المشهد بلا أي اختلاف من عام إلى آخر، حتى ألفناه وأصبحنا نترقبه بتبادل مقاطع الفيديو التي كنا نلتقطها تسجيلاً لحالة هلعها الذي سرعان ما يتحول لضحك جماعي معها بعد مغادرتنا أبواب المشفى. منذ ثمانية أشهر وبعد إجراءات فحوص دورية وانتهاء يوم من الضحك من نورة والإبرة، أظهرت النتائج الطبية الخاصة بها وجود ورم سرطاني. باغت هذا العدو ضحكنا، انتهك شعورنا بالأمن، وبدونا كمن يغرق في هوة من اللاشيء. بين كل هذا العجز كان أكثر ما يشغلنا هو ضعف نورة التي تفزعها الإبرة، كيف ستواجه مرضها؟! عند إصابة أحد بذلك المرض بالذات دون غيره ينقلب حال المرء فجأة رأساً على عقب، ليست أحواله فقط التي تنقلب، وإنما تتبدل كذلك أحوال المقربين منه، فتبدو الأمور متشابكة، فلا يعرفون من يواسون، ومن عليهم أن يستمدوا منه التشجيع. نورة لم تتوقف كثيراً بحثاً عن مواساة أحد رغم كثرة المحيطين بها، بالعكس من ذلك فقد حولت ضعفها الذي تندرنا عليه إلى طاقة عمدت بسببها إلى حجب خبر مرضها عن والديها شفقة عليهم، وحولت الضعف الذي عرفناه فيها إلى وتائد عزم مدتها لكل من حولها فانتشلتهم من هوة العجز، فوزعت الأدوار على المحيطين منها بمقدار حاجتها لهم: أنت أريدك بقربي، وانت ادعي لي، أما أنتَ فلا تتوقف عن تواصلك معي.. هكذا انتشلتهم بصوتها الصريح الواثق من قدرته على تجاوز الحالة.‏ هكذا علمتني نورة أن الحياة هي ما نطلبها ممن نحب، فلا ننتظرهم طويلاً في محننا، لأنهم قد يكونون أكثر عجزنا منا! *** تجديد إرادة العيش لدى مريض السرطان مع تصديق الأمل والقناعة بقدوم الأفضل، يحتاج إلى أصدقاء حقيقيين لديهم طاقات هائلة لا يملكها أياً كان. إن عثرت عليهم تمسك بهم جيداً لأنهم كنوز.. فشكراً سلوى.