كانت صورة الآخر موضع قلق الأفارقة بقدر تصدير الأوروبيين لصورتهم السلبية في التخلف والبدائية والعرقية وأطلق على ذلك العنصرية الأوروبية. وبينما يعمل الأفارقة على تحسين صورتهم في إطار حركة التحرر والاستقلال أو الاقتراب التنظيمي من الأوروبيين وأشكال هيمنتهم الضمنية العنصرية المعلنة فإننا نجد القلق العربي من صورتهم يرتبط بحالة تمركز معكوسة حول الذات باسم الدفاع عن الهوية ضاربة باتجاهات الحداثة عرض الحائط مرتكزة على بحوث الهوية وتأكيد أبعاد الماضوية على نحو ما درسه الراحل سمير أمين في أحد كتبه بهذا العنوان كاتب إسباني –خوسيه أنطونيو- اعتبر الفارق بين التصور العربي والأوروبي فارقاً بين نظرة التعدد الثقافي التي أخذ بها الأوروبيون وبين التأويل التاريخي والقومي عند العرب، وأظنه لم يلحق بحالة الرعب العربي من حالة الإرهاب ومنتوجه من التأثيرات والصور السلبية ليعتبر أن العرب تجاوزوا النظرة الأوروبية وهم- في حالة انكفاء- بعيداً عن التاريخي والقومي وتمسكت أطراف منهم بأبعاد الإقصاء التي عرفتها فترات العنصرية والفاشية سابقاً، ذلك لأن أثر حركة التحرر الوطني التي تبث التفكير الحديث افتقدت إلى العنصر الديموقراطي الذي يطور التفكير والسلوك السياسي والاجتماعي أيضاً.
لم تغفل الدراسات العربية في تنوع غير مجهول عن دراسة مشكلة الهوية العربية وأثر ضخات من العولمة الإعلامية ممثلة في تأثير عصر الصورة والثقافة البصرية والموروث على مثقفينا المحدثين.
لكني أعتقد أن أجواء الإعلام الغربي المرتبط بإدارة عمليات الإرهاب وتأثير صورته جعلت الفكر العربي غير قادر على مراجعات مهمة لكتاب إدوارد سعيد عن الاستشراق أو حسن حنفي عن الاستغراب وذلك منذ سبعينات وثمانينات القرن الماضي وإن تجاهل البعض آثار "الاستفراق" - الخبراء عن أفريقيا - مثل مسمى خبراء الشرق الأوسط الأميركيين نحو العرب والمسلمين.
لا أستطيع أن نتجاهل هنا دراسات عربية تضاعفت نسبياً بعد إدوارد سعيد وحسن حنفي متبلورة في أعمال شاكر عبد الحميد وغيره في المشرق العربي متعددون. لكن فأجاني عرض قريب لأعمال ندوة مهمة عن «صورة الآخر... نظرات متقاطعة» عقدت بالبحرين في نوفمبر 2016 استعرض فيها أكثر من خمسين مثقفاً عربياً وغربياً إشكالية النظرات المتقاطعة في النظرات المتبادلة، والتي جاءت جلها عن التبادل مع الصور الأوروبية عن الآخر العربي متجاهلين أي ذكر للصور مع غيرهم من الثقافات وخاصة الأفريقية لتعويضات مفيدة مع ثقافات أخرى ناهضة في عصر الأمل مع نهضتنا المستقبلية.
ولم يثر هذا التساؤل إلا كاتب وحيد تقريباً «نادر كاظم» أو بنظرة نقدية من قبل آخرين.
ومعنى ذلك أن ثمة تمركزاً حول الذات حتى بين المثقفين المحدثين. وأظن أن ندوة أخرى بعنوان "صورة الآخر" عقدت في تونس 1995 كانت- وخاصة في دورتها الثانية الأوروبية أقرب إلى وقائع العالم العربي.
وقد أضافت الندوة الأخيرة أيضاً معالجة حديثة لموضوع كتب الأطفال العرب «فادية حطيط» هذا فضلاً عما يصل إليهم من تأثيرات عبر الصورة. كما عالج أحمد بدوي موضوع الديني والطائفي في مصر فضلاً عن معالجة تأثيرات الإعلام الصهيوني حول فلسطين، وكذا تأثيرات "الربيع العربي" إيجاباً وسلباً. نحن إذن في حاجة إلى دراسات متنوعة حول صورة العربي في العالم ليمكن مواجهة ما تفرضه العولمة على هويتنا في ظروف تصاعد فيها مطلب الاستقلالية وليس التمركز السلبي حول الذات.