نشر معمل أبحاث الجيش الأميركي في عام 2014 تقريراً يتنبأ بالصورة المحتملة لساحات القتال في عام 2050. ووصف التقرير نوعاً من الحرب ترتبط في أذهان الناس عادة بألعاب الفيديو وأفلام الخيال العلمي التي تجمع بين البشر أصحاب القدرات المعززة والإنسان الآلي الذين يعملون مستخدمين أسلحة الليزر وتكتيك الهجوم المكثف وأنظمة الاستخبارات في بيئة شديدة التنافسية على المعلومات تتوسل بالخداع والقرصنة والتضليل الإعلامي ووسائل الحرب الإلكترونية الأخرى.
ولطالما غيرت التكنولوجيا شكل الحرب لكن البشر أنفسهم لا يتغيرون سريعاً. وكاتب هذه السطور مهتم بشكل خاص بالتكنولوجيا والأخلاقيات العسكرية، ولذا يشعر بقلق من أن يجد جنودنا صعوبة أكبر في التعامل بشكل أخلاقي والتمسك بالأعراف الراسخة فيما يتعلق بقواعد الحرب، بعد أن تجعل تكنولوجيا الأسلحة الجديدة الجنود أكثر فتكاً. وباعتبارنا دولة صاحبة أقوى جيش في العالم يتعين علينا الاعتراف بهذه التغيرات الأساسية العميقة في خبرة الجنود لمواجهتها والاستعداد للتكيف معها.
ففي الماضي، كان القتل في ساحات القتال عمدياً وشخصياً إلى حد كبير. لكن في المستقبل، ستهدد الطبيعة الآلية للقتال والتعزيز الاصطناعي لقدرات الجنود والسرعة وبعد المسافة بتدمير أخلاقيات المقاتل. وهذا لا ينطبق فقط على السلوك بين الجنود الخصوم بل على الجنود الذين يقاتلون في صف واحد. فقد كان الجنود في الماضي يتجشمون المخاطر دفاعاً زملائهم. فهل سيشعر الجندي أنه مستعد أن يضع ثقته في آلات لتحافظ على حياته؟ وهل يضع جندي حياته أو حياة آخرين للخطر كي يحافظ على إنسان آلي مهم؟ وهل يجب عليه هذا؟
ولم يعد الجنود يخشون القتال مع عدو على مقربة لأنهم يستطيعون إرسال إنسان آلي ومركبات بلا بشر بداخلها ويحركونها من مسافات بعيدة. لكن الخوف يمثل عاملاً في تعديل السلوك، وبتقليص الخوف سنزيل على الأرجح القيود على السلوك غير الأخلاقي. صحيح أن الآلة تستطيع القيام بحساب نفعي بشأن تناسب القوة، لكنها لن تستطيع اتخاذ قرار عاطفي؟ فهل تستطيع الآلة الشعور بتضعضع عزيمة العدو، على سبيل المثال، وإلغاء هجوم لمنع خسائر غير ضرورية في الأرواح؟ فالقادة والقوات في ميدان المعركة يكون لديهم «شعور» بتعقيدات ساحة القتال وهذا ليس لدى الآلة.
وأجهزة الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي والربوت والأنظمة ذاتية الإدارة ستخلق بيئة أكثر تعقيداً وأسرع مما يستطيع الإنسان مسايرتها وستكون لديه قدرة أقل للسيطرة عليها. والحرب ستتجاوز قدرة الإنسان على جمع البيانات ومعالجتها. وتدريجيا، وربما من دون أن نلحظ، ستعمل الأنظمة الآلية بكفاءة شديدة لدرجة تجعل البشر مجرد متفرجين. وسيصبح الجنود أبطأ العناصر في العملية أو ربما لا يصبح لهم صلة بها. والتمسك بقواعد الحرب ستصبح أقل صلة أيضاً.
وهناك مجموعة أخرى من الأسئلة الأخلاقية تثيرها تكنولوجيا «تعزيز» أو «تعظيم» قدرات البشر مما يتضمن تحسين القوة البدنية والقدرة على التحمل أو تحمل الألم وأيضاً استخدام أجهزة وتحفيزات عصبية لإصلاح وظيفة المخ وتعزيز التعلم. فهل يمكن مساءلة جنود واقعين تحت تأثير عقاقير، أو أجهزة إلكترونية تعدل السلوك، عن أفعالهم؟ وإذا كان الجندي يستخدم عقاقير لتقليص خوفه فما دور الإرادة الحرة؟ وهل من المحتمل أن يعرض جندي لا يخشى شيئاً، نفسه أو وحدته للخطر بغير ضرورة؟ ماذا عن تأثير عقاقير تغيير الذاكرة على شعور الجندي بالذنب، وهو ما قد يكون مهماً في قرارات بشأن التسبب في معاناة غير ضرورية؟ يتعين على وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) أن تطلب من الباحثين وقادة الجيش أن يطرحوا أسئلة، أثناء عملية التطوير وقبل فترة طويلة من استخدام الأنظمة الآلية، عن كيفية استخدامها، وإذا ما كانت تنتهك أي قوانين للصراع المسلح والقانون الإنساني الدولي.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»