هل ضاقت الحلقة حول عنق النظام القطري؟ وهل اقتربت ساعة الحساب وكشف ما خفي من سوآت القيادة القطرية، ومن التخفي وراء سلسلة المؤامرات التي ظنت أنها يمكن أن تخفيها على المجتمع الدولي، وتتستر على ارتباطاتها المشبوهة بإيران وجماعة الغدر والخيانة «الإخوان»، وعميل إيران العتيد حسن نصر الله الملطخة يديه بدماء الشرفاء في سوريا ولبنان؟
الشاهد أن قطر تقف الآن في وجه عاصفة هي عاجزة حيالها عن الصمود، فالوقوف في وجه إعصار الأزمة المتصاعدة بين إيران والولايات المتحدة أمر مستحيل لن تجدي معه المؤامرات القطرية نفعاً، وقد كنّا ونحن نجيب على تساؤلات الناس عن مآلات الحرب الدائرة في اليمن. ولأننا نعلم الصلف الذي تتصف به العقلية السياسية القطرية، فقد كان ردنا المتكرر أن المقاطعة العربية للنظام القطري لا تكفي أن تكون الرادع الوحيد على الأقل في المدى القريب، مع اليقين بجدواها على المدى المتوسط والبعيد. وكنّا نزيد على ذلك أن في الأفق تطورات إقليمية ودولية متصاعدة ستحشر قطر في زاوية الاختيارات الصعبة والاختيار بين الولايات المتحدة وإيران، إن الانتشار الإيراني في اليمن سيقود حتماً إلى استعجال أميركا في التخلص من التهديد الإيراني للملاحة الدولية في ممري باب المندب وهرمز.
أخطاء القادة الإيرانيين، كما أن حساباتهم الرعناء لاحتياجات الحرب ومعايير النصر والهزيمة، تبدو بكل المقاييس خاطئة، وحين يظنون أنهم وفِي غفلة من أميركا يستطيعون إجبار العالم للخضوع لشروطهم، ومن ثم ضمان تعطيل التجارة الدولية واستمرار تدخلهم في شؤون شعوب المنطقة هم بكل الحسابات واهمون. وفاتهم أن أميركا تبدلت وانتهت دون رجعة مواقف الاستكانة والاستسلام «الأوبامية»، وحلت مكانها سياسة الحسم والقوة والنزعة الامبراطورية التي يقودها ترامب الذي لن يهدأ له بال حتى يعيد إيران إلى حدودها الدولية ويكبح جماح نظام الملالي.

ها هي إيران تُكابد الحصار الأميركي الشامل، وهذه هي قطر تبسط يداً وتسحب أخرى، وتخطو خطوة وتعود خطوة، تائهة في الدوامة التي وضعت فيها نفسها، وإن كانت، في قرارة نفسها، تود لو تقف في صف العدو الإيراني، وتتمنى لو أنها تضع كل الأرصدة القطرية من العملات الصعبة في خزينة المدفوعات الإيرانية، ولكنها تعلم علم اليقين أن أميركا تراقب السلوكيات القطرية عن كثب. والاستراتيجيون الأميركان المتخصصون في تتبع سلوكيات الدول الحليفة لإيران والمتعاطفين معها من بعض الدول الغربية يرصدون كل تجاوز لشروط المقاطعة، ولديهم وسائلهم للردع والعقاب. وفِي يقيني أن الأوروبيين أكثر ذكاء من قطر، وسيضعون اللائمة على الشركات في حال حدوث أي تجاوز للحصار الأميركي المقنن لإيران، مع اليقين أن الشركات الأوروبية بادرت بسحب مشاريعها من إيران ومن ضمنها شركات نفطية ك«توتال» الفرنسية وشركات الطيران الكبرى مثل «إير فرانس» و«برتش إيرويز».
كانت قطر في عنادها لأشقائها تحلق بجناحين، الأول إيراني فارسي والثاني تركي سلطاني، وسبحان الله شاءت الأقدار أن تسخر قوة لم تكن في الحسبان، أن تكون هذه القوة أميركا ذاتها التي باعت حلفاءها العرب لدولة الملالي، واعتمدت في السابق على حركة «الإخوان».
وبعدما حزمت إيران أمرها للسيطرة على اليمن والاستعانة ب«الحوثيين» لتحقيق هذا الهدف، فقد سخر الله قوات التحالف لإجهاض المؤامرة قبل أن تبدأ ب«عاصفة الحزم»، ومع استمرار الحرب وتصاعد التحالف الإيراني القطري بمباركة أميركية «أوبامية»، وجدنا أن ترامب جاء ليتكفل بتركيع إيران، ووضعها في حجمها الحقيقي وإخراجها من مناطق نفوذها في سوريا والعراق ولبنان واليمن، مع يقيننا بأن التحالف قد نجح في تحرير قرابة 80?? من الأراضي اليمنية. وماذا بعد؟ الورطة التي وضعت قطر نفسها فيها هي حزمة من التناقضات التي تميز إدارة علاقتها بالحلفاء إيران و«حزب الله» و«الحوثيين»، فاختيار الحليف والتعامل مع ضده يستدعي واحد من خيارين، وإلا فإن النهاية تكون الفشل، وافتقاد أحد الحليفين وتحوله إلى عدو. الخيار الأول أن تأخذ قطر موقف الحياد بين أميركا وإيران وتنأى بنفسها سياسياً واقتصادياً عن طرفي الأزمة، إذ لن يفيد الخداع والظهور بوجه وإخفاء الوجه الحقيقي كما هي السياسة القطرية الآن..فالعاطفة القطرية الجياشة لإيران سوف تستمر وتقود إلى عواصف جياشة لاقتلاع قطر من جذورها. وأفراد الأسرة الحاكمة التي أقصاها الفرع الحاكم في قطر الآن، يتحينون الفرصة للانقضاض على السلطة واستعادة ملكهم مرة أخرى. وإما أن تعلن قطر انحيازها التام لإيران، وتكون مستعدة لمواجهة الولايات المتحدة، وقاعدتها التي تغطي مساحتها ربع الأرض القطرية، وعند أي مواجهة أميركية إيرانية، فان الملاذ الآمن للقيادة القطرية هو البحر، حيث لن يكون هناك بر بعد إنجاز قناة سلوى في غضون عّام ! ماذا تفعل قطر إذا ذهبت إيران إلى الحرب ضد الولايات المتحدة؟ هل بمقدورها منع الأميركان من استخدام قواتهم الضاربة في قاعدة «العديد»؟ لا أظن ذلك، بل إن الضربة الأميركية الأولى لإيران سوف تبدأ من «العديد».