وجد استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب» هذا الشهر، أن الديمقراطيين أخذوا ينفتحون على فكرة الاشتراكية – أو على الأقل الكلمة. فبينما قال 57 في المئة من الديمقراطيين المستطلَعة آراؤهم إنهم ينظرون إلى الاشتراكية بشكل إيجابي، فإن 47 في المئة فقط قالوا الشيء نفسه عن الرأسمالية، مقارنة مع 56 في المئة في 2016. وفي الأثناء، يظل «الجمهوريون» متحمسين للرأسمالية إلى حد كبير، حيث يمنحها 71 في المئة تقييماً إيجابياً. غير أن 16 في المئة من ناخبي الحزب «الجمهوري» قالوا إنهم أيضاً ينظرون إلى الاشتراكية عبر عدسات إيجابية، وهو ما يطرح السؤال التالي: ما الذي يقصده الأميركيون بالضبط عندما يقولون إنهم ينظرون إلى الاشتراكية بهذه الطريقة أو تلك؟
الولايات المتحدة ليس لديها تاريخ اشتراكي معروف ومألوف يمكننا أن نبحث فيه عما يساعدنا على فهم ما قد تعنيه الاشتراكية في هذا البلد. ولكن هذا لا يعني أن الاشتراكية ضبابية وغامضة على نحو ميؤوس منه، أو أن الأميركيين المهتمين بالفكرة مجرد هواة عابرين، بل يعني بكل بساطة أن الاشتراكية، وعلى غرار أي مصطلح معقد، تستوجب بحثاً متأنياً.
لقد ظهرت على مر السنين ممارسات سياسية لرؤى اشتراكية مختلفة، تجذرت خلالها أشكال مختلفة من الاشتراكية في عدد من البلدان. والحق أن كثرة النماذج التاريخية المختلفة للحكومات الاشتراكية يمكن أن تتسبب على نحو يمكن تفهمه في بعض التشويش والارتباك بشأن شكل الاشتراكية في الواقع: روسيا السوفييتية أم النرويج الحالية؟ وقد يتساءل المرء أيضاً ما إن كانت الولايات المتحدة رأسمالية حقاً. الجواب، في كلتا الحالتين، له علاقة بالأصناف والدرجة والديمقراطية والمنهجية.
ولكن الآن، وعلى غرار ما حدث في القرن التاسع عشر، فإن الالتباس والارتباك بشأن معنى «الاشتراكية» تؤججه المصلحة السياسية في التعتيم والإبقاء على الموضوع غامضاً وضبابياً. ومثلما يلفت إلى ذلك «إيريك ليفيتز» في مجلة «نيويورك»، فإن المحافظين يميلون إلى التأرجح بين القول إن بلداناً ناجحة مثل فنلندا والنرويج والدانمارك، التي تُعتبر اشتراكية بشكل عام، هي في الواقع رأسمالية مثل الولايات المتحدة، والقول، على غرار ما فعلت «تريش ريغن» من قناة «فوكس بيزنس نيتوورك»، إن الاشتراكية جعلت هذه البلدان راكدة ومملة.
والواقع أن توضيح ما تعنيه «الاشتراكية» بالضبط بشكل حاسم ونهائي لن يحدث قريباً. ولكن هذا لا يعني أن الناخبين الذين ينجذبون إلى سياسيين اشتراكيين «ديمقراطيين» مثل السيناتور بيرني ساندرز والمرشحة لمجلس النواب ألكسندريا أوكاسيو- كورتيز لا يعرفون ما الذي يريدونه. فإلغاء ما يسمى «قوانين الحق في العمل»، وجعل التعليم الجامعي مجانياً، وتوفير تغطية صحية شاملة. كلها مقترحات تجد صدى كبيراً لها بين هؤلاء الناخبين.
وفي صميم الرؤية الاشتراكية الديمقراطية المزدهرة على اليسار الأميركي هناك الاعتراف بأن هدف تقوية الناس العاديين وتمكينهم من المشاركة بشكل حقيقي في المجتمع والديمقراطية، يتطلب أكثر من مجرد تعديلات طفيفة في السياسات. فالأميركيون العاملون يستحقون أن تكون لهم كلمة بخصوص الكيفية التي يتم بها استخدام الثروة الكبيرة للبلاد، وهذا لن يكون ممكناً إلا عندما يتم تقليص التفاوت الاجتماعي، ومنع أموال الشركات والمانحين الكبار من السياسة، ويكون المشرّعون خاضعين حقاً للمحاسبة من قبل الشعب. هذه ليست مطالب تعجيزية، ولكن الاشتراكيين الديمقراطيين هم الوحيدون الذين يطالبون بها.
*كاتبة أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»