«إن الرياضة أقوى من الحكومة في كسر الحواجز العرقية. فهي تسخر من جميع أنواع التمييز». تلك الكلمات ذات صلة بعام 2018 وإن كانت قد جاءت على لسان واحد من أعظم الشخصيات في القرن الماضي.
إنه نيلسون مانديلا، الرجل الذي أمضى 27 عاماً في السجن بسبب كفاحه ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، واستمر ليصبح أول رئيس أسود في بلاده، كان اليوم سيكمل عامه المائة. وربما يتذكر هواة الأفلام أن أكثر الفصول الرياضية التي لا تنسى في قصة مانديلا تتمثل في انتصار جنوب أفريقيا في كأس العالم للرجبي عام 1995.
وبعد ما يقرب من خمسة أعوام على وفاته، ما زالت كلماته يتردد صداها –داخل وخارج الملعب. ففي عشية الاحتفال المئوي في 18 يوليو، ألقى الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما محاضرة عن مانديلا في جوهانسبيرج، حيث أكد أن «السعي إلى تحقيق المساواة يضمن أن يستفيد المجتمع من مواهب ونشاط جميع أفراده». وأضاف، بالنسبة لهؤلاء الذين يساورهم الشك «فقط اسألوا فريق كرة القدم الفرنسي الذي فاز بكأس العالم. لأن أغلب هؤلاء اللاعبين ليسوا من بلاد الغال (فرنسا قديماً)، لكنهم فرنسيون الآن. إنهم فرنسيون».
وفي الواقع، منذ فوز فرنسا على كرواتيا في 15 يوليو الماضي، أصبح وجود ونسبة اللاعبين الفرنسيين من ذوي الجذور الأفريقية موضوعاً عالمياً. واختار بعض الناس، مثل الممثل الكوميدي الجنوب أفريقي والمقيم في الولايات المتحدة «تريفور نوح» الفكاهة للإشارة إلى حقيقة أن 15 من بين اللاعبين البالغ عددهم 23 لاعباً هم بالفعل من أصل أفريقي. كما ذكر اللاعب السابق ومدير المنتخب الوطني النيجيري «صنداي أولسييه» على تويتر بعد المباراة: «أخيراً فازت أفريقيا بأول كأس للعالم ولكن بألوان فرنسية».
ولكن مثل هذه التعليقات لم تكن دائماً مصحوبة بالفكاهة أو النوايا الحسنة. وعلى سبيل المثال، فقد أصر رئيس فنزويلا «نيكولاس مادورو» على أن «الفريق الفرنسي يبدو مثل الفريق الأفريقي، في الحقيقة لقد فازت أفريقيا»، قبل أن يتهم فرنسا «باحتقار أفريقيا» وبالعنصرية ضد الأفارقة والمهاجرين. هذا الاتهام، وتمييز مادورو للاعبين استنادا إلى لون بشرتهم، لم يلق قبولا في فرنسا، حيث قال عضو البرلمان «جان كريستوف لاجارد» إنه سيقاضي الرئيس الفنزويلي. وصرح «إن هذا إنكار لفرنسا. إن فرنسا لا تنظر إلى أصولك».
وذكرت صحيفة «لو موند» التي تصدر في باريس أن أحد اللاعبين الفرنسيين، يُدعى «بينجامين مندي»، كلن لديه رد فعل مماثل على تويتر. ورداً على تغريدة من موقع رياضي ضم أسماء اللاعبين الفرنسيين من أصول أجنبية، مصحوبة بعلم دول المنشأ لكل لاعب من هؤلاء والعبارة التالية «معاً سوياً من أجل فرنسا»، قام مندي بتغيير كل الأعلام المصاحبة للأسماء إلى أعلام فرنسية وقال إنه «أصلح» الرسالة.
لكن لا التغريدة، ولا حكمة أوباما أو مانديلا، كافية لإبعاد العنصرية من أن تطفو على السطح. وعلى سبيل المثال، أبرزت صحيفة «ستاندارت» اليومية البلغارية، في عددها الصادر يوم 16 يوليو، صورة للفريق الفرنسي وهو يحتفل بالكأس تحت عنوان «أفريقيا تحتفل» وأشارت إلى أن معظم اللاعبين لهم أصول من «القارة السمراء». وأضافت مجلة «كورييه انترناشونال» الفرنسية أنه تم نشر صور مركبة على مواقع التواصل الاجتماعي في بلغاريا تُظهر قروداً بدلاً من اللاعبين الفرنسيين وهم يحملون كأس العالم. وفي إيطاليا، أشارت صحيفة «لا ريبابليكا» إلى العديد من التعليقات العنصرية التي تم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي بعد المباراة. إن كل هذه الرسائل متماثلة من حيث المضمون: «أفريقا هي التي فازت، وليس فرنسا». ومع مشاهدة هذا، ماذا الذي كان سيقوله مانديلا البالغ من العمر مائة عام؟ ربما يردد ببساطة أحد أقواله التي لا تنسى: «إن التعليم هو أقوى سلاح يمكن استخدامه لتغيير العالم».
*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»