نتعامل مع ظاهرة العمل الحكومي المحايد، أو الموظفين الحكوميين غير المسيسين، الذين يتم اختيارهم وترقيتهم بناء على جدارتهم، ويعملون نيابة عن الدولة وليس لصالح شخص أو حزب، باعتبارها من المسلمات، رغم أنها نادرة جداً!
ودعونا نعود خطوة للوراء ونلقي نظرة على أزمات بعيدة عن التي وقعت الصيف الجاري، ونفكر بشأنها. ففي أوروبا، على سبيل المثال، ظهرت فكرة العمل المدني المهني في وقت متأخر نسبياً بحلول القرن الثامن عشر. ولم يكن لدى الولايات المتحدة جهاز عمل حكومي فيدرالي خلال المئة الأولى من تأسيسها. ولم يبدأ البريطانيون العمل بفكرة امتحانات الوظائف الحكومية حتى واجهوا حاجة مفاجئة لإدارة إمبراطورية، وربما أنهم تأثروا بالصين، التي كانت تجري مثل هذه الامتحانات على مدار ألفي عام، والتي كانت محل إعجاب على نحو واسع النطاق لذلك السبب.
وفي معظم العصور والأماكن الأخرى، كان يتم اختيار الموظفين وفقاً لنظام الوصاية، والتي كان يطلق عليها الأميركيون «المحسوبية»، وحتى الآن في كل أرجاء العالم، يحصل كثير من الناس على وظائف حكومية لأنهم يعرفون، أو يعرفون من يعرف، شخصاً في السلطة. وإضافة إلى أنها غير فعالة، فإن أنظمة الوصاية لا ترقي الأشخاص بسبب كفاءتهم أو معرفتهم، كما أنه من السهل أن يتسلل إليها الفساد. فقد تم إخباري عن إحدى الدول التي يدفع فيها الناس مبالغ باهظة إلى وزير الخارجية ليصبحوا سفراء!
وبالطبع، لا يزال لدى الولايات المتحدة بعض من نظام الوصاية، فكل رئيس جديد يتعين عليه تعيين 4000 موظف، وهو عدد أكبر بكثير مما يمكن لرئيس الوزراء البريطاني أن يحلم به. لكن معظم القوى العاملة في الحكومة الفيدرالية الأميركية البالغ قوامها 1.8 مليون شخص يعملون بنظام دوام كامل، من الموظفين في الخارج إلى المسؤولين عن الغابات ووزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي، هم من الموظفين المحايدين الذين يخدمون بإخلاص أي رئيس وأي عضو في الوزارة. وهذا النظام له بعض العيوب، فالموظفون الحكوميون الذين يعرفون اختصاصاتهم يمكنهم تكوين دوائر حول السياسيين الذين لا يعرفون، لكن هذا النظام له أيضاً امتيازات لا تحصى. وببساطة علينا أن نفكر ما إذا كنا نرغب أن يكون المسؤول عن اختبار نظافة المياه خبيراً أم قريباً لشخص ما، لذا فإن هناك أسباباً تجعل من الجهاز الحكومي المهني المحايد، وكذلك الصغير والفعّال، مرتبط ارتباطاً وثيقاً بتعريف الحكم الرشيد.

يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»