تسع مرات يحاول ترامب، وفي فترة زمنية قصيرة فرض العقوبات الصارمة والحازمة حتى إيصال إيران إلى الصفر في تصدير النفط. ما هي متلازمة السياسة الراهنة التي تربط المصالح الأميركية والإيرانية في فتح أميركا ذراعيها بلا شروط لضم إيران في حضنها فجأة، وضرب ظهر إيران بسياط ولهيب العقوبات تلو الأخرى.
ما هو الموقف الإيراني من هذا العرض المفتوح على مصراعيه؟ الجواب نأخذه من «ظريف» وزير الخارجية الإيرانية منذ أيام، حيث نفى وجود خطط لعقد اجتماع مع مسؤولين أميركيين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقال مسؤولون إيرانيون كبار: «إن بلادهم لن ترضخ بسهولة لحملة أميركية جديدة تهدف إلى وقف صادرات إيران النفطية الحيوية. ويشكل النفط قرابة 40% من إجمالي الناتج الإجمالي لإيران، وهي نسبة لا يستهان بها، وهي التي تعاني هذه العقوبات منذ قرابة أربعة عقود، وكان أمل النظام معقوداً على نجاح الاتفاق النووي، ولكن أميركا ترامب خيب آمالها بجرة قلم لتعود مشكلة إيران نووية غير سلمية إلى نقطة البداية، بعد أن ضاعت عشرة أعوام من عمر المباحثات في (5 + 1) أدراج الرياح الأميركية.
من غرائب السياسة التي يمكن أن تقع على رأس بعض الدول في عصرنا هذا هو الحوار بين «الشاتم والمشتوم»، سياسياً بالطبع منذ أربعة عقود تقريباً، والنظام الإيراني الطائفي غير الطبيعي أجبر الشعب بدعوى الدفاع عن القومية الإيرانية التي تمثل فقط قرابة الـ 30% من إجمالي القوميات الأخرى التي تعد أغلبية ساحقة مقارنة بالعرق الفارسي الذي يتحكم بمصير شعب بأكمله تعداده يقترب من 100 مليون مجبرين للعيش تحت جحيم «الإثنا عشرية» التي تبنت نهج المغامرات في تصدير الثورة الخمينية للشعوب المستضعفة، وفق هذا المفهوم المنصوص عليه في الدستور.
قرابة أربعين عاماً من عمر الثورة التي لا تنهيها إلا ثورة مضادة أخرى، وإن كان الضغط الاقتصادي عنوانها العريض، إلا أن الداخل المعتم سيكون له كلمة الفصل في التخلص من هذا النظام وفق المعادلة الإيرانية ذاتها، والتي أزاحت النظام الشاهنشاهي الذي حكم الشعب بقوة «السافاك»، والذي لا يختلف «الباسيج» عنه في شيء، بالإضافة إلى «الحرس الثوري» الذي سطوته وسلطته أكبر من الجيش النظامي الذي لم يتعد حدود إيران إلا في حرب الخليج الأولى مع العراق لمدة ثماني سنوات عجاف لم تتعاف منها الدولتان حتى الساعة الأدهى.
فيما الجيش في داخل الحدود، بينما الحرس الثوري الإيراني بقيادة سليماني يسرح ويمرح في لبنان بلا استئذان، وفي العراق يضعون الميزان، وفي سوريا يخشون الاقتراب من الجولان، ويبتعدون عنها أكثر من 80 كم، وكان المطلوب منهم أقل من ذلك، وقد أثبتوا بذلك حسن نواياهم تجاه إسرائيل، وقد بُحَّ صوت نجاد الرئيس السابق، وهو يزمجر بمسح العدو الأول بـ «الأستيكة» من خارطة الوجود.
وفي اليمن يدفعون بـ «الحوثيين» نحو إغراقه في وحل الطائفية العرقية، ولو قاموا بتقطيع أوصال اليمن إرباً.
وبناء على هذا الوضع تتساءل مجلة «نيويورك»، لماذا توافق إيران على التخلي عن الممارسات التي يستخدمها منافسوها وأعداؤها بشكل روتيني، وأن مخاوف إدارة ترامب من دعم إيران للمنظمات الإرهابية في جميع أنحاء الشرق الأوسط مشروعة تماماً.
ومع ذلك، يفاجئ ترامب العالم أجمع ويعلن عن استعداده للحوار رغم أطنان اللعنات التي يتردد صداها إلى الآن عن «الشيطان الأكبر» ،«والموت لأميركا»، لا بأس من تكرار تجربة كوريا الشمالية مع العدو الإيراني اللدود، لعلَّ ترامب في زهوه يستطيع تحويل إيران إلى الصديق الودود، إلا أن المرشد الإيراني هو الذي بيده الخيط والمخيط والحل والربط، وليس كما قد يظن البعض من مناورات روحاني مع دول الاتحاد الأوروبي لكسر شوكة وحدة العقوبات الأميركية على طهران.
وقد حسم خامنئي الأمر عندما حظر إجراء أي محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية، وقد حمَّل الحكومة الإيرانية ذاتها مسؤولية سوء الإدارة في البلاد، والذي أضر بالاقتصاد أكثر من العقوبات الأميركية. هذا الذي تريد أميركا ومعها الغرب اللعب السياسي والاقتصادي لتغيير بوصلة النظام لتعديل سلوكه عبر حزمة جديدة من العقوبات.