عادة يستطيع الحزب الذي يتخلى عن تريليوني دولار، من دون أن يخشى مصدر التمويل، أن يكسب لنفسه بعض الأصوات على الأقل، غير أن التخفيضات الضريبية التي أقرها دونالد ترامب لا تزال من دون شعبية كبيرة، ونادراً ما يأتي «الجمهوريون» على ذكرها في حملاتهم الانتخابية. وفي الحقيقة يركز «الديمقراطيون» حملتهم في معارضة التخفيضات الضريبية، أكثر مما يركز «الجمهوريون» على تأييدها. ولا يتحدث «الجمهوريون» كذلك كثيراً عن الحرب التجارية لترامب، إذ لا تزال غير شعبية.
فعلى أي شيء ترتكز الحملة الانتخابية للحزب «الجمهوري»؟ ربما يمكنه المبالغة في التهديد المفترض من المهاجرين غير الشرعيين، غير أن ذلك لا يجذب كثيراً من الانتباه أيضاً. وبدلاً من ذلك ركزت الإعلانات الهجومية لـ«الجمهوريين» بشكل كبير على غول، أو بالأحرى «غولة»، من الغيلان المعتادين بالنسبة لهم: «نانسي بيلوسي»، الرئيسة السابقة، والمحتملة في المستقبل، لمجلس النواب.
لذا، يبدو أن هذا هو الوقت الملائم لتذكير الجميع بأن «بيلوسي» هي أفضل رئيس للمجلس في الأزمة المعاصرة، وبالتأكيد هي واحدة من أكثر الأشخاص الذين تقلدوا هذا المنصب تأثيراً. ومن المثير للاهتمام أن نتساءل لماذا لا تحظى بقدر كبير من التقدير من قبل وسائل الإعلام الإخبارية، ومن ثم من قبل عموم الجماهير، على إنجازاتها.
ويقودنا ذلك إلى التساؤل ما هي إنجازات «بيلوسي»؟ أولاً، بصفتها زعيمة للأقلية في مجلس النواب، لعبت دوراً محورياً في منع محاولة الرئيس جورج بوش الابن خصخصة «الضمان الاجتماعي». وبعد ذلك كانت شخصية بارزة، ربما أكثر أهمية من الرئيس باراك أوباما، في تمرير قانون الرعاية الصحية المحتملة «أوباماكير»، الذي أدى إلى تراجع هائل في أعداد الأميركيين غير المؤمن عليهم، وأثبت قوة مدهشة في وجه محاولات تخريبية. وساعدت في إجراء إصلاح مالي، لكنه على ضعفه مكّن من إرساء الاستقرار الاقتصادي، وحمى كثيراً الأميركيين من التزوير. ساعدت «بيلوسي» أيضاً في تمرير خطة التحفيز الاقتصادي التي أقرّها أوباما، والتي يوافق خبراء الاقتصاد بأغلبية ساحقة على أنها خففت من وطأة فقدان الوظائف من جراء الأزمة المالية، كما لعبت دوراً في وضع أساس لثورة الطاقة الخضراء.
وياله من سجل جدير بالتقدير، وعندما تسمعون «الجمهوريين» يزعمون أن «بيلوسي» يسارية متطرفة، فاسألوا أنفسكم، ما التطرف في حماية دخل التقاعد وتوسيع تغطية الرعاية الصحية وكبح جماح البنوك الخارجة عن السيطرة؟ وربما تجدر الإشارة إلى أن «بيلوسي» لم تتأثر بمزاعم فضيحة شخصية، وهو أمر مذهل، لاسيما في ضوء قدرة «اليمين» على اختلاق تلك المزاعم من العدم!
فكيف بدت «بيلوسي» في مواجهة 4 «جمهوريين» تقلدوا منصب رئيس مجلس النواب منذ تولى الحزب «الجمهوري» السيطرة على المجلس في عام 1994؟ من بينهم كان «نيوت جينجريتش» متبجحاً فأغلق الحكومة الفيدرالية في محاولة فاشلة لابتزاز «بيل كلينتون» من أجل تقليص ميزانية «الرعاية الطبية»، ثم قاد حملة سحب الثقة من كلينتون بسبب علاقته الغرامية، رغم أنه هو نفسه متهم بالخيانة!
و«دينيس هيسترت»، لديه سجل تحرش مهين، لكن بعيداً عن سلوكياته الشخصية، ثبت أن قاعدته الشهيرة المعروفة باسمه «قاعدة هيسترت»، والتي مكّنت «الجمهوريين» من تأييد التشريعات التي يوافق عليها أغلبية حزبهم فقط، قد أفسحت الطريق للسياسيين المتطرفين. و«جون بوينر» لم يفعل كثيراً سوى أنه عارض كل ما اقترحه أوباما، بما في ذلك تدابير كانت ضرورية للتعامل مع تبعات الأزمة المالية.
وأما «بول ريان»، الرئيس الحالي لمجلس النواب، والذي أعلن أنه سيتقاعد من منصبه، فيظهر غير ما يبطن، إذ يتخذ ظاهرياً موقفاً متشدداً من عجز الموازنة، في حين أن أبرز إنجازاته التشريعية هي خفض الضرائب التي تؤدي إلى زيادة العجز. وإذا ما نظرنا إلى الرؤساء المعاصرين لمجلس النواب، فإن «بيلوسي» ستبدو عملاقة بين أقزام، لكن لن تعرفوا ذلك أبداً من التغطية الإعلامية حولها!
 
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»