تهديدات جديدة واستراتيجيات قديمة وحديث الأمن النسبي واستحالة وجود أمن مطلق يجعل المصداقية الأمنية العربية ككل في مهب الريح في ظل سياسات تحالفات الظل مع أمم تتعامل مع المنطقة كجزء من سيادتها الضائعة، وكل ذلك تحت رماد العبث بالوكالة وعهود بلفورية عابرة للقارات تستهدف أمن العالم العربي، وهو جوهرة العالم القديم المفقودة والتي ستزين التاج الإمبريالي القادم، وإننا كعرب أجبرنا على قبول العيش في الظل على هامش المجال النووي، وأن نضع أنفسنا خارج دائرة الاهتمام والتقدم في أي مجال يحقق لنا سبقاً استراتيجياً.
فمن لا يعتبر البحث العلمي والطفرات الجينية المعرفية في مجال الأمن الإنساني والاقتصادي والإعلامي الرقمي والاتصالات وتطبيقاتها المستقبلية هو سباق أمني محض لديه مشكلة حقيقية في تقدير المواقف، كونها أولويات أمنية قومية قصوى، وهي كضرورة إشهار قوة بحرية مشتركة لحماية الأمن البحري العربي، ودرع عربي مضاد للأمن الجوي، ودرع عربي آخر للوقاية من أسلحة الدمار الشامل وأسلحة الذكاء الصناعي والتطور التكنولوجي والتقني والأمن السيبراني وبناء مراكز مترابطة مع بعض بشبكة في غاية الحداثة لمكافحة الأمراض التي سوف تتفشى بفعل التغير المناخي والظواهر المناخية التي ستغير نظرة الإنسان للطبيعة والأمن الغذائي ومفهوم الأمن الشامل، الذي يجب أن يدرس في الكليات الأمنية والعسكرية وتشكيل قوات متطورة لهذه التهديدات.
فواقعنا الأمني في حقيقته مخيب للآمال ولسنا في موقف قوي في هذا الجانب، ولا نستطيع ادعاء التفوق في هذا المجال لحماية أنفسنا حتى وتأخر تأسيس مدينة علمية عسكرية عربية توضع بها أفضل العقول العربية لاستشراف المستقبل، وهي تكون بمثابة مخزون استراتيجي أمني عربي لمواجهة تحديات المستقبل، وكيف من الممكن للجيوش العربية والأجهزة الشرطية والأمنية بمختلف مجالاتها أن يكون لها استخدام مزدوج لتقليل من آثار تبعات كوارث قوى الطبيعة كونها السلاح الأفتك الذي سيواجهها الإنسان في المستقبل القريب.
فترتيب البيت الأمني العربي على المدى الطويل يتطلب دراسة النماذج الأنجح عالمياً كرابطة دول جنوب شرق آسيا (ASEAN) نموذجاً للتعاون الذي يمكن لدول الوطن العربي أن تحاكيه، وإن لم تكن المعاهدات فعالة في التعامل مع القضايا الأمنية، فأعيد توجيه التعاون ليصبح موجهاً لاستخدام الاقتصاد والصناعة والتكنولوجيا والمعرفة كسلاح بديل للسلاح التقليدي لتصبح حماية تلك الدول جزءاً من أمن الاقتصاد العالمي، وثمة نموذج بديل آخر للتعاون بين الدول، وهو مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا (CSCE).
فمهما طورنا قدراتنا، وسوف نطورها في ما هو قادم من عقود، هناك فجوة معرفية تتسع بمرور الوقت وليس العكس كما يعتقد الكثيرون، وكل ما تقدمنا خطوة أو قمنا بشراء جزء من آلية التقدم في جانب معين تبقى أسراره المحورية على الدوام في أيدي غيرنا، وهم في الوقت نفسه يتقدمون عنا بقفزات عملاقة في مقاربات غير واقعية للواقع.
ولذلك يجب علينا تصميم نوع من إطار الأمن الذي يمكن أن يمنع الحرب في المدى القصير، وسيؤدي إلى إقامة تنسيق إقليمي في المنطقة على المدى الطويل، وإيجاد الحلول اللازمة لحل التحديات والقضايا الإقليمية الحالية مع وجود آلية شاملة مستدامة للتشاور والتفاوض مع من نعتبرهم أعداءنا، أو لهم أطماع وادعاءات معلنة في بلداننا، وأجندات توسعية غير معلنة، ومع ذلك لابد من الشروع في تحالف أو معاهدة سلام أمني معهم يمهد له من خلال تدابير بناء الثقة، كأن نبدأ أولاً بتدابير بناء الثقة في السياحة والتلوث والتعاون الضريبي والأمن الغذائي وتهريب المخدرات على سبيل المثال.
وإنْ كان السلام هو الحل الأرخص لنا فهو الأغلى لغيرنا وإعادة ظهور المنافسة الاستراتيجية الطويلة الأمد بين الدول في الشرق الأوسط هي مصلحة أساسية لبعض القوى العظمى، ولا سيما في سباق الصين وأميركا وروسيا.
ففي الولايات المتحدة، وبغض النظر عمن يحتفظ بالبيت الأبيض، تكمن مصلحة أميركية في أن تسمح بسلام متذبذب طويل الأمد حتى توفر لنفسها المرونة الكافية لتتمحور حول قضايا أكثر إلحاحاً، وستوفر للرئيس دونالد ترامب الغطاء الدبلوماسي والمادي الضروري لمواصلة المسار في نفس النهج المتبع، وخاصة بعد كتابة استراتيجية الدفاع الوطني التي تدعو إلى التحول في الأولويات الوطنية بعيداً عن الشرق الأوسط تحت إشراف وزير الدفاع الأميركي ودخول الصين من جهة أخرى كمزود رئيس جديد للأمن في منطقة الوطن العربي والخليج العربي على وجه الخصوص.