بعد غمة «الصفر العربي الأفريقي» في مونديال الكرة، لم يعد لأي حدث بعده حيث... كانت الشعوب تشغل نفسها بفرصة الفرجة وانتظار انتصار هنا أو تعادل هناك.. وكان معظم الحكام يتوقعون أيضاً بعضا من ذلك ليسدوا عن شعوبهم بؤس الأسعار والفساد، والتلاعب الأميركى والدولي عموماً في مصائرهم. لم تهدأ أخبار الإرهاب في مصر، ولا أخبار الانقسام في ليبيا أو المشكلة الصحراوية في أقصى الطرف الشمالي من القارة. وفي الشرق من القارة، مازالت إثيوبيا تعالج آثار الاضطراب ومأزق الحكم الجديد، كما يظل الموقف في جنوب وشمال السودان يعاني معوقات الاتفاق النهائي لتستقر أحوال الشعب هناك. لم تهدأ أيضاً الحركات الإرهابية في الصومال أو نيجيريا ولا امتدادهم من ليبيا لمصر. كل ذلك كانت الشعوب عربية وأفريقية كما كان الحكام يريدون تجاوزه بمتابعة أحداث المونديال ولو بتوقعات فرحة وهمية مؤقتة. وإذ بهم أمام «صفر كبير» في مجمل توقعاتهم. ولم يدر أحد أو يتساءل عن سبب توقع الفرحة أصلاً في مثل هذه الظروف التي يعيشونها، وهي ظروف الإفقار الشديد، ولم تجد شكليات خطط 2020، أو 2030 ناهيك خطط 2063! فإذا لم تكن تجرى تطلعات عشرات السنين، فلماذا نتوقع فجأة أفراحا لسنا مهيئين لها؟ في هذا الجو ينعقد مؤتمر القمة الأفريقية في موريتانيا وسط أحزان الرؤساء وشعوبهم، والضغوط المشددة للالتزام بالخطط الكبرى أو الصغرى الأجنبية وبالتعاون الأعمق عربياً وأفريقياً، وعلى جدول أعمال القمة، من الشعارات والآمال، ما يذكرنا بوقائع «المونديال»، وإنْ كنا نطمع في أفضل من ذلك. فالاتحاد الأفريقي يضع على رأس جدول أعمال خطة 2063 بأمالها عن توحيد وتكامل دول القارة خلال خمسين عاماً مغفلاً أن القارة منذ أكثر من أربعة عقود وهي تتحدث عن خطة «لاجوس»، وخطة أبوجا، ثم جهاز نيباد ‏NEPAD ?، ?وهي ?معاهدات ?ومؤسسات ?كبرى ?لم ?ينشط ?في ?جزء ?منها ?إلا ?دول ?غرب ?أفريقيا (?توحيد ?جوازات ?السفر، ?وحرية ?المرور ?بين ?الدول ?... ?الخ) ويتخذ مؤتمرنا في هذه الدورة شعاراً أساسياً هو «كسب الحرب ضد الفساد: طريق التحول في أفريقيا» وهو شعار غريب من قبل بعض رؤساء هم المسؤولون في بلادهم عن حالة الفساد وانسداد آفاق الديمقراطية التي تتيح للشعوب دورها في محاربة هذا الفساد، وإنجاز مهام التحول الاجتماعي والاقتصادي، ويكفي هنا ذكر تصريح أحد المسؤولين في اللجنة الاقتصادية للقمة عن فقد أفريقيا لحوالي 50 مليار دولار سنوياً تحت عنوان توقعات مالية غير مشروعة، ويضيف البنك الأفريقي أن 50% تضاف لظاهرة الفساد من تكاليف العقود! ولا جديد في المؤتمر عن الإرهاب الذي كان شعار مؤتمرات سابقة، ويبدو أن ثمة حرجاً من ذكر خطط أفريقية لم توقفه طالما دول كبرى متنفذه ترعاه في القارة. ولابد أن نذكر هنا ما لاحظه بعض المعلقين، في تحليله عن أدوار المنظمات الإقليمية، وإذ بالدول العربية في شمال أفريقيا هي الأكثر تخلفاً عن تخطيط التكامل أو التعاون في مشروعات لأسباب غير خافية. مقارنة حتى بدورها الإيجابي في تنظيمات «دول الساحل والصحراء»، ويبدو ذلك في المجال العسكري على وجه الخصوص، تاركين الأزمة السياسية تجاه مشكلة الصحراء دون علاج جذري، ومع ذلك فإني لا أريد أن أترك القارئ، وكأن القارة تعيش «صفر التقدم» أو التغيير النسبي بالمطلق إزاء وجود بعض الظواهر التي قد تسبب الفرحة المفقودة ولو نسبيا»، فثمة مظاهر التقدم في حل مشاكل العلاقات الثنائية مثل اتفاق إثيوبيا وإريتريا، ونشاط إثيوبيا في حل مشاكلها بدول مجاورة بتعاون متنوع مثل دورها في صلح جنوب السودان، وكذلك نجاح «دول الساحل»، في عقد قمة مستقلة في مارس الماضي، ودفع الرئيس «كيجاما» (رواندا) الخطط لتمكين المرأة، وخاصة في مجال الزراعة – وملكية الأرض حيث تعد المرأة عنصراً أساسياً في هذا المجال أما موضوع الهجرة وهو فضيحة إنسانية في هذا القرن فإن العلاقة بين الدول الغنية والفقيرة، مع التسلط العولمي لا تسمح بعلاج جذري. بالطبع تؤثر الأوضاع الداخلية المتأزمة في كثير من البلدان على أدوارها في مشاريع التنمية المشتركة رغم مظاهر الفرح ببعضها ولكنه للأسف مثل فرحة شعوبنا الوهمية قبل «صفر» المونديال!