لا توجد مؤشرات يُعتد بها على تحسن محتمل في الاقتصاد التركي، عقب إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة في 24 من الشهر الجاري. الاحتمال الأقرب إلى التحقق يبدو معاكساً للخطاب الحكومي الذي يعد باستعادة الاقتصاد عافيته. المعطيات الراهنة تدفع إلى توقع مزيد من التراجع، وليس التحسن، في حالة استمرار السياسات والإجراءات المتبعة منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2015. فقد خلق التضييق الذي نتج عن تركز السلطة بين يدي الرئيس أردوغان، والحلقة الضيقة المحيطة به، أجواء غير مشجعة للاستثمار الأجنبي الذي اعتمدت تركيا على تدفقه لتحقيق طفرة في اقتصادها في العقد الماضي. سيتحول تركز السلطة من أمر واقع ‏defacto ?فُرض ?في ?ظل ?حالة ?تعبئة ?شاملة، ?وشمولية، ?عقب ?محاولة ?الانقلاب، ?إلى ?حالة ?دستورية ?وقانونية ?de jure ?بموجب ?التحول ?من ?النظام ?البرلماني ?إلى ?نظام ?رئاسي ?ذي ?طابع ?أحادي، ?فور ?إعلان ?نتائج ?الانتخابات ?المحسومة ?سلفاً. ?سينفرد ?أردوغان، ?بعد ?هذه ?الانتخابات، ?بالسلطة ?كاملة ?وفقاً ?للتعديل ?الدستوري ?الذي ?مرره ?عبر ?استفتاء ?أُجري ?في ?أبريل ?2017، ?لتركيز ?الصلاحيات ?التنفيذية ?كاملة ?بين ?يديه، ?وحصر ?دور ?البرلمان ?في ?إصدار ?التشريعات ?التي ?يريدها، ?وتمرير ?القرارات ?التي ?يرغب ?فيها. ويستند احتمال ازدياد التراجع الاقتصادي بعد هذه الانتخابات إلى التطور الكبير الذي حدث في العلاقة بين الاقتصاد والسياسة في العالم. أصبحت هذه العلاقة أقوى، وأكثر وضوحاً، منها في أي وقت مضى. القرار السياسي يؤثر في الأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية، إما بشكل مباشر، أو من خلال الأجواء التي تترتب عليه. حالة السوق اليوم أكثر حساسية للقرارات السياسية، في مختلف بلدان العالم، مما كانت عليه من قبل. تؤثر هذه القرارات في سلوك المواطن بمقدار ما تخلقه من ثقة أو شك، بدءاً بكيفية تصرفه في مدخراته، وتعامله مع العملة الوطنية لبلده، وليس انتهاءً باستعداده للاستثمار من عدمه. ولذلك أسهم إعلان أردوغان في منتصف فبراير الماضي، عزمه على التدخل المباشر في رسم السياسة النقدية، في تدهور قيمة الليرة التي فقدت ما يقرب من 20% من قيمتها، خلال ثلاثة أشهر. فقد قال، في تصريحات إلى تليفزيون بلومبيرج في لندن، إنه سيتحكم بدرجة أكبر في الاقتصاد بعد الانتخابات، وسيتدخل في تحديد السياسة النقدية التي يفترض أنها اختصاص المصرف المركزي في أي بلد. وفهم كثيرون من حديث أردوغان أنه سيفرض موقفه، الذي تخالفه فيه إدارة هذا المصرف، بشأن أسعار الفائدة التي يعتقد أن خفضها ضروري لتنشيط الاستثمار. وهذا صحيح في ظروف طبيعية لا تعرفها تركيا الآن بسبب التقلبات التي تشهدها. ولذلك يؤدي خفض أسعار الفائدة في مثل هذه الحالة إلى ارتفاع معدلات التضخم، دون أن يشجع على زيادة الاستثمار. والحال أن الثقة باتت مفقودة في الاقتصاد التركي. والثقة هي الكلمة السحرية التي تحدد نوع التفاعلات التي تحدث في السوق، ويتوقف عليها تدفق الاستثمارات الأجنبية، واستعداد المستثمرين للعمل في هذا البلد أو ذاك. التنافس الحاد على الاستثمارات الأجنبية لم يعد مقصوراً على البلدان التي لا تملك موارد كافية. وأصبح الاستقرار السياسي في البلدان التي يستثمرون فيها أولوية متقدمة في اختيار البلد الذي يعملون فيه. ولذلك، فمن الطبيعي أن تحرم التقلبات السياسية، والسلطة الأحادية المطلقة، تركيا من الاستثمارات الأجنبية الأكثر فائدة، لأن المستثمرين الذين يمكن أن يعملوا في مثل هذه الظروف هم من يعتمدون على مضاربات، أو صفقات قصيرة الأجل. وسيترتب على ذلك تراجع معدلات الإنتاج، ومن ثم التصدير، وبالتالي وصول العجز في الميزان التجاري إلى معدلات أعلى، بعد أن تجاوز هذا العجز قيمة الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 5 في المئة، فضلاً عن أن التوسع في الديون قصيرة الأجل متوقع أيضاً. ويحدث هذا كله لأسباب محض داخلية، ولا علاقة لها بما يردده الخطاب الرسمي عن مؤامرات تقوم بها أطراف محلية وأجنبية لزعزعة الاقتصاد التركي. ولا يفيد الخطاب السياسي التعبوي، الذي يوزع الاتهامات في كل اتجاه، في معالجة التراجع الاقتصادي. السبيل الوحيد لوقف هذا التراجع، الذي يُرجح أن يزداد بعد الانتخابات، هو مراجعة السياسات الداخلية التي أدت إليه.