عنوان المقال ليس من عندي، ولكنه من تقرير في صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، وقد وجدته معبراً عن الحقيقة التاريخية، فضلاً عن أنه يمثل تنبيهاً قوياً للإسرائيليين بأن المأساة الإنسانية التي تسببوا فيها عام 1948 لم تنته آثارها، ولن تنتهي مسؤوليتهم الأخلاقية عنها إلى أن يتحقق الحل العادل لها. إن هذه المأساة ما زالت قائمة ليس في صورة أشباح يمكن لليمين الإسرائيلي صرفها أو أطياف يمكن إنكارها، ولكنها قائمة في هيئة ملايين البشر الفلسطينيين داخل فلسطين التاريخية وحولها يطالبون بحقهم في ممتلكاتهم التي سلبت منهم، وفي الحياة بكرامة على أرضهم وفي دولتهم المستقلة. يوم الاثنين الماضي كان المفروض أن تتركز الأنظار الإسرائيلية على القدس وحدها، ترقباً لحفل افتتاح السفارة الأميركية هناك، لكن الآلام الفلسطينية القديمة دفعت اللاجئين في مخيمات قطاع غزة إلى التجمع في مسيرة العودة الكبرى، في حشود قدرتها السلطات الإسرائيلية بخمسين ألف شخص، وهو ما اضطر صحيفة «يديعوت أحرونوت»، على سبيل المثال، إلى أن تقسم شاشة بثها التلفزيوني المباشر إلى قسمين؛ الأول كان يبث حفل السفارة «البهيج» والثاني كان يبث مشاهد الحشود الفلسطينية والدخان وطلقات الرصاص المنطلقة من بنادق القناصة الإسرائيليين لتستقر في أجساد الشباب وكبار السن الفلسطينيين. لم يستطع رئيس الوزراء نتنياهو وهو يلقي كلمته في حفل السفارة أن يتجاهل ما يجري على حدود السياج الحديدي الفاصل بين غزة وإسرائيل، فقال إننا نحتفل هنا في أمان بفضل حماية الجيش الإسرائيلي الذي يقوم الآن بواجبه على الحدود. هكذا علّب نتنياهو أشواق اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم وأراضيهم التي يرونها عبر السياج في العلبة اليمينية الجاهزة، علبة التخريب والإرهاب الهادف لتهديد دولة إسرائيل (!)، رغم أن المسيرة كانت سلمية. إن هذا التعليب يمثل أكبر عقبة في وجه السلام العادل لأنه يتضمن إنكاراً لدوافع الفلسطينيين المشروعة، كما يتضمن إنكاراً لحقهم في وطنهم، وذلك على عكس الرؤية التي تبلورت لدى عدد من الأدباء الإسرائيليين والذين وضعوا الأساس الفكري لمعسكر السلام مبكراً، وهي رؤية تتلخص في ثلاث كلمات: «أرض واحدة لشعبين». لقد تطورت هذه الرؤية بعد ذلك لدى بعض السياسيين على نحو واضح بعد حرب 1967، ومن رواد الفكرة آرييه لوفا إلياف، سكرتير عام «حزب العمل» الإسرائيلي عندما كانت جولدا مائير رئيسة الحزب، حيث ألّف كتاباً، وهو في منصبه، بعنوان «أرض الجمال»، طرح فيه فكرة تقول إن إسرائيل لديها فرصة ذهبية للحصول على سلام مستقر، تتمثل في إرجاع الأرض المحتلة عام 1967 إلى أصحابها العرب مقابل السلام. وبذلك أرسى إلياف مبكراً معادلة الأرض مقابل السلام ليعيش الشعبان في جوار سلمي، لكن حظه كان كحظ معظم الرواد، إذ لم يجد له أنصاراً يلتفون حوله، خصوصاً أن زعيم معسكر اليمين آنذاك مناحيم بيجين راح يلهب الأطماع عندما أطلق شعار أرض إسرائيل الكبرى، وشعار لا انسحاب من شبر واحد، فلقي إلياف اضطهاداً من داخل حزب العمل نفسه اضطره للانسحاب من منصبه. لقد وجدت هذه الرؤية أنصاراً فاعلين بعد حرب أكتوبر 1973، خصوصاً من ضباط الاحتياط الذين اشتركوا في تلك الحرب وعرفوا أهوالها، فكونوا معسكر «السلام الآن». ومن وجهة نظري، فإن التحدي الرئيسي الذي نواجهه اليوم هو كيف نعيد لمعسكر السلام الإسرائيلي قوته في مواجهة تيار اليمين المنكر للحقوق الفلسطينية والمحرِّض ضد الفلسطينيين في الإدارة الأميركية؟!