ترتجف الأسواق بسبب المخاوف من نشوب حرب تجارية بين الولايات المتحدة والصين، والتي تزداد تارة وتنحسر تارة أخرى. وحتى الآن، تتعلق هذه المخاوف بالرسوم الجمركية التي يريد الرئيس دونالد ترامب فرضها على مجموعة من السلع الصينية، وتهديدات الصين بالرد. ولكن ربما يتجاهل المستثمرون خطراً أكبر في هذا النزاع. صحيح أن الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات الأميركية من الممكن أن تسبب ضرراً – حيث يعم القلق بلد المزارع – ولكن هناك حدود لمدى الألم الذي قد تسببه هذه الرسوم. وربما يتكشف أيضاً خوف الرئيس من أن الصين ربما تتخلى عن الكم الهائل من أذون الخزانة التي تمتلكها. ومع ذلك، فإن المخاطر التي تواجه الشركات الأميركية التي تعمل بالفعل في الصين ربما تكون كبيرة. وهنا، يمكن للصين أن توجه ضربة تحت الحزام لمجموعة واسعة من الشركات الأميركية، بدءاً من «آبل» إلى «جنرال موتورز» إلى «ستاربكس». وعلى الرغم من أن هذه الشركات لديها علامات تجارية راسخة، ومشروعات تجارية كبيرة، وعلاقات قوية بالمستهلكين الصينيين، فإنها قد تواجه ضرراً خطيراً إذا كانت بكين تريد ممارسة ضغوط على ترامب. وفي بعض الحالات، مثل صناعة السيارات، أجبرت السياسات التجارية في الصين هذه الشركات فعلياً على الإنتاج محلياً. وفي شركات أخرى، تحتم طبيعة العمل القرب من المستهلكين الصينيين. وأياً كانت الأسباب، فإن الرسوم الجمركية سيكون لها تأثير ضئيل على العديد من هذه العمليات الأميركية. وتمثل «جنرال موتورز» مثالاً جيداً. فقد قامت هذه الشركة باستيراد 150 سيارة «كمارو» فقط من الولايات المتحدة إلى الصين هذا العام، أما بقية السيارات التي باعتها هي وشركاؤها –أكثر من 986 ألف سيارة في الربع الأول من العام فقط – فقد تم تصنيعها في الصين. وإذا كانت الصين تريد حقاً الضغط على شركة مثل جنرال موتورز، لكانت لجأت إلى وسائل غير حواجز الاستيراد. فما الذي قد يبدو عليه هذا؟ من ناحية، يمارس البيروقراطيون سيطرة كبيرة على بقاء الشركات أو فنائها في الصين، أي أنهم يسيطرون على مصيرها. والاستحواذ على مجموعة هائلة من التصاريح والتراخيص التي تحتاج إلها الشركات الأجنبية سيكون إحدى وسائل إبطاء توسع المنافسين الأميركيين في السوق الصيني. وهناك سلاح أقوى – ويحتمل أن يكون مدمراً – يتمثل في مقاطعة المنتجات الأميركية. كانت بكين قد استخدمت مثل هذه الشركات في الماضي، الأمر الذي كان له في بعض الأحيان نتائج كارثية. وقبل ست سنوات، ووسط تصاعد التوترات مع اليابان بشأن مجموعة الجزر المتنازع عليها، استخدمت الصين وسائل الإعلام الرسمية لإثارة المتظاهرين الذين هاجموا السيارات والشركات اليابانية. ونتيجة لذلك تراجعت مبيعات سيارات تويوتا وهوندا ونيسان. وفي الآونة الأخيرة، حاولت الصين الضغط على كوريا الجنوبية للتخلي عن نظام الدفاع الصاروخي الأميركي الذي كانت بكين تعتبره تهديداً. وفي إطار ذلك، منعت نجوم فريق «كي-بوب» الكوري الجنوبي من القدوم إلى الصين. وعلاوة على ذلك، قاطعت الشركات الصينية المنتجات الكورية، وضعف أداء الشركات الكورية تحت وطأة هذه الضغوط. وفي عام 2015، كانت شركة «هيونداي موتور»، هي ثالث أكبر طراز سيارات يحظى بشعبية في الصين، وتمثل 5% من السوق، وفي العام الماضي، تراجعت حصتها إلى 3.1%، وتراجعت هيونداي إلى المركز الحادي عشر. قد يقال إن الضغط على الشركات الأميركية بهذه الطريقة من الممكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية. ولكن على أي حال، فإن هذه الشركات (بما في ذلك مشاريعها المشتركة) لديها 58 ألف عامل في الصين. بيد أن بكين قد أظهرت من قبل استعدادها لاستيعاب مثل هذه التكاليف من أجل تحقيق أهدافها الاستراتيجية. وفي خضم الحملة المناهضة لكوريا، قامت شركة «كيا موتورز» بخفض ساعات العمل ودفع أجور موظفيها الصينيين مع انخفاض المبيعات. في النزاع الحالي، حاولت الصين أن تجعل الرد على الرسوم التي فرضها ترامب في شكل تبادلي. وبسبب اختلال التوازن في التجارة بين الولايات المتحدة والصين، رغم ذلك، فهناك حد لمدى قدرة الصين على التوافق مع تكتيكات ترامب بالرسوم الجمركية فقط. هناك فقط الكثير من الواردات الأميركية التي يمكن فرض ضرائب عليها. وإذا اختارت السلطات (أو متى تريد ذلك) أن تلاحق الشركات الأميركية في الصين، يمكنها أن تثير الاحتجاجات والمقاطعات ضدها. قد تكون العواقب كبيرة، ويجب أن تثير قلق المديرين التنفيذيين الأميركيين. تخيل ماذا سيحدث لشركة جنرال موتورز إذا انخفضت مبيعاتها في الصين – والتي تمثل أكثر من 40% من إجمالي مبيعاتها – بنفس نسبة تراجع مبيعات تويوتا في عام 2012. دعونا نأمل ألا تتدهور الأمور إلى هذا الحد. مايكل شومان: صحفي أميركي مقيم في بكين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»