منذ سنوات أنشئ اتحاد عاصفة الفكر، وبفكرة من الدكتور جمال سند السويدي، أطلقنا عاصفة فكرية موازية لعاصفة الحزم، وهي عاصفة فكرية بامتياز، تستلزم منا نحن -أهل الرأي والمعرفة- تحالفاً فكرياً لبلورة استراتيجية تشخص الأزمات وتقترح حلولاً لها، لأن عطالة الفكر والعقل العربي أديا إلى تخلف شامل في المجالات الاقتصادية والثقافية والسياسية والتربوية، وبدلاً من الاستعانة بالعلم وقوانينه يستعيض الفكر والمفكرون عن ذلك بخزعبلات فكرية وبأوهام أيديولوجية، فالجامعات ومراكز الأبحاث في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية، بدلاً من أن تكون مختبرات علمية ومؤسسات هي ذروة الفاعلية المعرفية، تصبح مؤسسات من دون فائدة في تطوير المجتمعات العربية. وقد استفاض المرحوم محمد عابد الجابري، وكان من كتاب هذه الجريدة الغراء، في وصف العقل العربي ونقده وتقديم وصفات له. وقد وضع مشروعه الفكري تحت عنوان «نقد العقل العربي» بمعنييه القديم والحديث، ولم تكن تعنيه قواعد ومنهجية الفلسفة بقدر ما كانت تعنيه الوضعية المزرية للفكر والثقافة العربيين، فخاض واجتهد في الصراع الدائر داخل الثقافة العربية حول العقلانية واللاعقلانية، خدمة للنهوض والحداثة والاستقلال التاريخي، وتوقف كثيراً عند الفعل السياسي الذي يصنع التاريخ أو على الأقل يساهم في تغيير مجراه، وبهذا النحو يكون موضوع التطوير الحقيقي هو الإنسان. ونحن في اتحاد عاصفة الفكر نؤمن بأن التفكير في العقل هو السبيل للتفكير بالعقل، فلا يمكن أن نفكر في إنشاء عقل ناهض بعقل غير ناهض، كما نؤمن بضرورة تداوي العقل والواقع العربيين بوصفات استشفائية واستشرافية لدراسة الأزمات وللإجابة عن معضلات البناء التنموي والنهضوي والوحدوي في إطار عقلانية تعم الشكل والمضمون، والهياكل المجتمعية ومؤسساتها وعقلية وسلوك الجماعات والأفراد لنتموقع في الحاضر والمستقبل، ولنغير الواقع إلى لحظة النهوض وإقامة قواعد الأمن والاستقرار. وهذا كفيل بتبصير المجتمعات والفاعلين بحجم المأساة التي نعيشها والتي يمكن أن تتفاقم إذا لم تعالَج المسببات في وقتها. اجتمعنا الأسبوع الماضي في الرياض، ونظمت الدورة السادسة من طرف هيئة الصحفيين السعوديين، ومن طرف رئيس مجلس إدارتها الأستاذ خالد المالك. شاركت في جلسة قام بتسييرها الأستاذ المقتدر محمد الحمادي، رئيس تحرير جريدة «الاتحاد»، عن التدخل الإيراني، وكان مطلوباً مني أن أشخص النظام الإيراني، فقلت بأنه إذا فهمنا نوعية النظام بدقة فهمنا السياسة الداخلية والخارجية للبلد، وفهمنا المشاكل التي تعاني منها دول مثل العراق واليمن ولبنان وسوريا والمنطقة بأكملها، فالنظام قائم على الشخصنة السلطوية في ظل غيبة الإمام المنتظر، وأعني بذلك ولي الفقيه الذي يملك كل السلطات، والذي وصفته المادة 107 من الدستور بأنه «المرجع المعظم والقائد الكبير للثورة الإسلامية العالمية، ومؤسس جمهورية إيران الإسلامية، سماحة آية الله العظمى الإمام الخميني (قدس سره الشريف) الذي اعترفت الأكثرية الساحقة من الناس بمرجعيته وقيادته»، فالسلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية تمارس صلاحياتها بإشراف ولي الأمر المطلق وإمام الأئمة (المادة 57)، فمهمته مركزية في نظام الحكم الإيراني، وهو المتفرد بالمرجعية الدينية لكل الشيعة في العالم، دون اكتراث بالحدود الجغرافية والسيادات الوطنية. ولحماية هذا النوع من التواجد السلطوي في دواليب الدولة، فإن للقائد ممثلين يعينهم يبلغ عددهم نحو ألفي ممثل في كل مؤسسات الدولة وأجهزتها. كما أن النظام قائم على مؤسسات دستورية نافذة موضوعة مباشرة تحت سلطة الولي الفقيه، منها: مجلس صيانة الدستور، مجلس تشخيص مصلحة النظام، مجلس الخبراء، مجلس الأمن القومي الأعلى، مجلس إعادة النظر في الدستور، لجنة الثورة الثقافية التي تعنى بخلق أجيال جديدة تتبنى قيم الثورة وتكون مصدر قوة لها. ثم لا يجب أن ننسى «الحرس الثوري» المنبثق من «اللجان الثورية» وهو الجهاز العسكري الموازي للجيش، والذي يخضع خضوعاً مطلقاً لإيديولوجية الثورة والتوجيهات العليا للدفاع عن خط القائد داخل إيران وخارجها، والدفاع عن المستضعفين في الأرض أينما كانوا، عبر عملية تصدير الثورة التي تتيح كل شيء بما فيها خلق الفتنة وزعزعة أركان استقرار الدول.