يمثل الكاتب والباحث والمترجم السوري هاشم صالح رؤية نقدية غنية حول أبرز الإشكاليات التي تُثيرها ثنائية الإسلام والحداثة والقراءة العلمية الحديثة للنصوص التأسيسية في الإسلام. وتلخص الحوارات التي يجريها بين الفينة والأخرى الخلاصات التي صاغها صالح في مؤلفاته، لا سيما قضية التجديد الديني والنقد القوي للأصولية الإسلامية وعدم مواكبة المؤسسات الدينية في الإسلام ورجال الدين لــ«لاهوت الحداثة» وما بعد الحداثة، كما حدث في المسيحية في أوروبا، التي دخلت اليوم في «الباراديغم اللاهوتي لما بعد الحداثة» في حين أن الإسلام «لا يزال غاطساً كلياً في الباراديغم اللاهوتي التكفيري للقرون الوسطى. وهذا يعني أن مشايخ الإسلام لم يسمعوا حتى الآن بالإصلاح الديني، ناهيك عن التنوير الديني ولاهوت الحداثة وما بعد الحداثة». يرى هاشم صالح أن هذا التأخر المريع في فهم الدين هو سبب كل المشاكل التي نعاني منها حالياً؛ هذا الانغلاق اللاهوتي داخل أقفاص عقائدية عفَّى عليها الزمن هو سبب صدامنا مع العالم كله حالياً"على حد تعبير صالح". ينصب اهتمام صالح في قضايا أساسية من ضمنها أهمية إصلاح مناهج التربية الإسلامية في المدارس في العالمين العربي والإسلامي، إذ لطالما شدد على ضرورة ترسيخ ثقافة التنوير والتفكير النقدي في النفوس والنصوص. وهو مشغول أيضاً بالقطيعة الإبستمولوجية مع العقلية التراثية التي خبرتها المسيحية في الغرب، معتبراً أنه لا بد من النظر إليها وأخذ العبر والدروس:"كان المسيحيون يرددون على مدار القرون المقولة اللاهوتية التالية: «خارج الكنيسة المسيحية الكاثوليكية البابوية الرسولية لا مرضاة عند الله ولا نجاة في الدار الآخرة»، وهي مقولة تكفيرية بامتياز. لماذا؟ لأنها تعني أن أديان الآخرين كالإسلام واليهودية والبوذية... إلخ غير مقبولة عند الله وبالتالي فأصحابها لن يحظوا بجنة الفردوس. بل ليس فقط الأديان الأخرى مدانة ضمن هذا المنظور اللاهوتي الكاثوليكي الانغلاقي، وإنما المذاهب المسيحية الأخرى مدانة أيضاً، وخصوصاً المذهب البروتستانتي. فهو معتبر بمثابة مذهب الزنادقة والهراطقة، وعليه فأتباعه لا أمل لهم بالنجاة في الدار الآخرة، هذه الفتوى الكاثوليكية سيطرت على العالم المسيحي طيلة قرون وقرون، حتى جاء مجمع الفاتيكان الثاني (1962-1965) وتخلى عنها. هل تعتقدون أنه تخلى عنها بسهولة؟ أبداً لا. فقد كانت تشكل جوهر العقيدة الكاثوليكية، ولكن الحداثة العلمية والفلسفية الصاعدة في أوروبا أجبرت الكاثوليكيين على إحداث هذه القطيعة المُرة مع أحد ثوابتهم العقائدية الأساسية. وهذا يعني أن الثوابت يمكن أن تتغير وتتعدل. ونحن في الإسلام- حسب صالح- نقف الآن في مواجهة الإشكالية العويصة ذاتها. فهناك فتاوى فقهية أو لاهوتية تكفر جميع الأديان الأخرى، بل وحتى جميع المذاهب الإسلامية الأخرى، ما عدا مذهب أهل الفرقة الناجية. كلهم في النار ما عدا واحدة، كلهم عقائدهم مرفوضة وغير مقبولة عند الله". لقد طرح هاشم صالح دائماً في مؤلفاته ومقدمات ترجماته تحديات كثيرة أمامنا. هو مهموم بقضايا أساسية للخروج من دوامة التكفير والولادة المستمرة للتنظيمات التكفيرية، ونحن الباحثين والكتاب لا بد لنا من قراءتها بهدوء بغية الخروج من الواقع المرير الذي يمر به الإسلام في القرن الحادي والعشرين، والذي يعبر عن نفسه بأزمات دورية وانفجار مخيف للعنف الديني والأصوليات والصراع المذهبي والابتعاد عن أنماط التدين الشعبي التقليدي المتصالح مع الآخر والإيمان الرقيق.