يبدو أن عدم معالجة الأزمة الحكومية في إثيوبيا، جعلت الكثيرين يسهمون بتصورات للأزمة الخاصة ب«سد النهضة» من قبل أطرافه المحلية والإقليمية والدولية.. وقد سارعت صحف غربية بالحديث عن التوقعات في ظل هذه الظروف في إثيوبيا ومصر أيضاً، ومدى قدرة الطرفين على حل الأزمة. كتب «جريش آلان» كبير محرري «لوموند» والمتخصص في مشاكل العالم العربي والقرن الأفريقي مقالاً مطولاً في 15 فبراير الماضي في صحيفة «لوريان» مليء بالتوقعات والتحليلات التي تعبئ القارئ بالتشاؤم والانحيازات، بينما كان المصريون مثلا يتوقعون بقدر من الارتياح أن الأزمة يمكن أن تشهد تقدماً نسبياً مع إعادة ترتيب البيت الإثيوبي. وكان الملفت لي أن كثيرين يشاركون «جريش الان» تشاؤمه، من كتاب مصريين وغيرهم، كما أن زيارة مسؤولين أميركيين وروس من أعلى مستوى سياسي خلال الأسبوعين الماضيين لأديس أبابا لم تعط أي إشارة للاقتراب من حل مريح. وقد لاحظت أن «جريش» أعطى أهمية – أيّدهُ فيها غيره – عن النظرة السياسية للمشروع أولًا، وليست مجرد الاحتياج الإثيوبي للمياه أو الطاقة، بل ثمة تجاهل للبعد الاجتماعي للمسألة، لأن الوطنيين الإثيوبيين يستنكرون التفسير بالأثنية والعرقية)، لكن إشارات الكتاب الآخرين تحيل إلى ذكر البعد الاجتماعي الخاص بالأرض، والتهجير وتوزيع الثروة في بلد تُذكر كأكبر البلاد المحققة لمعدل النمو المتزايد، وشعبها يعاني نسبة عالية من الفقر الشديد. يشير «جريش» من جهة أخرى إلى مشاكل تزايد السكان أو ما يسميه الانفجار السكاني في البلدين، بل والانفجار الحضري أيضاً وآثار عمليات التهجير التي تثير الأهالي لم يكن متوقعاً توترهما بين الأورومو والصوماليين، ويربك وضع الأجهزة... وهو يرى أن زعماء البلدين مشغولين بتصعيد السياسة الوطنية، بل ويسميها في مصر بالشوفينية بدلاً من الاهتمام بأثر السياسة المائية، وموقف التيار السلفي الديني من مشكلة السكان في مصر. وهو يثير شجون المصريين بالطبع بالإشارة إلى الزحف التركي على إثيوبيا والسودان بمزاعم إقامة القواعد أو دعم السودان في مجال مشكلة حلايب وشلاتين... الخ مشيراً إلى الموقف الوسط السعودي بين مصر والسودان بما يبدو لصالح السودان، أو لفت نظر المصريين إلى اهتزاز الموقف السوداني. مثل حالة سفر السفير وعودته، وهو عند نفس موقفه تقريباً رغم احتفالية المصريين به. المشكلة الملاحظة إزاء الموقف الغربي، أنه مازال تقليدياً إزاء مصر، بينما التقدير العالي دائماً لتركيا ذات القوة الخشنة وليس الناعمة، ولا تعطي التعليقات الغربية للأحوال الاجتماعية أي اعتبار إزاء القياس بالاعتبار السياسي أساساً، وفساد النظرة إلى التقاربات العربية، أو حقائق الصراع في المنطقة بينما هم صانعوه.. قرأت في نفس الوقت كتاباً متميزاً للباحث المصري المجتهد أحمد السيد النجار رئيس مجلس إدارة الأهرام السابق باسم (مصر والنيل،: دراما سد النهضة وفخ الكونغو)، وهو يرى أن يداً خفية قد تكون مصالح غربية معينة أو البنك الدولي، تحاول جر مصر إلى هذا الفخ، وكأنه سيحل مشاكل مصر بديلاً سهلاً لسد «النهضة»، ورغم تفقد الآراء حول ذلك المشروع عن نقل مياه الكونغو إلى مصر مروراً بجنوب السودان، والسودان نفسه، فإنه يمكن أن يكون سهلاً، ويصبح الحق مع «النجار» في استبعاد هذا الحل المعقد بطبعه نتيجة تعدد أطرافه. وفي نفس الوقت يلمح البعض إلى ضرورة العودة لـ«مشروع جونجلى» في جنوب السودان، وهو بدوره واقع في منطقة صراع تنافس الصراعات الإثيوبية، رغم مراهنة مفكر مثل سمير أمين على جونجلي أيضاً الذي لم تشأ أي من القوى الغربية أن تشير لإمكانيات الاستثمار فيه. وفي حدود معرفتي في هذا الموضوع أن جونجلي بمرحلتيها لم تكن ستقدم أكثر من 9 مليارات متر مكعب مقسمة بين السودان ومصر، فما بالك وهي مقسمة على ثلاثة الآن. المشكلة الأخيرة أن المصادر الغربية والمصرية تشكو من عدم توفر معلومات كافية من قبل الحكومات عن مشكلات وخطط الري والزراعة في مصر إلى جانب المبالغات الإثيوبية دون أصول فعليه عما يجرى حول السد أو محيطه إلى درجة اعتماد هؤلاء الغربيين أنفسهم على المصادر المصرية أو الإثيوبية وحدها، حيث يشكو الجميع من ندرة المعلومات أو الشفافية مما يجعل «الغرب» في مرات قليلة هو مصدر معرفتنا بأحوالنا. ولا يبقى إلا أن ينجلي الموقف في الأزمة الإثيوبية الداخلية حتى تستطيع كل الأطراف أن تدلي بدلوها مجدداً في هذا الموقف الدقيق.