لا شك أن جولة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، التي شملت كلاً من القاهرة ولندن، قد اكتست أهمية بالغة بالنسبة للسعودية والمنطقة بأكملها، وقد كانت محملة بالرسالة السامية للمملكة إلى العالم أجمع شرقه وغربه، وقد ورد في طياتها مشروع المملكة الجديد والطموح والمفتوح نحو آفاق المستقبل برؤية يملؤها التفاؤل والأمل باستثمار وإعادة الاعتبار للأهمية الاستراتيجية للمنطقة، كونها المصدر الأول للطاقة في العالم، كما يضمن المشروع الجديد أيضاً استدامة أهميتها وفقاً للإرث الحضاري والثقافي والإمكانيات الطبيعية والبعد السياحي والمؤهلات الأخرى التي ستبقي المنطقة مثلما كانت دائماً في صدارة المشهد الدولي وأكثر. ولا أدل على ذلك من حقيقة أن الأمير الشاب، صاحب رؤية المملكة 2030، قد وضع التسامح الديني عنوان جولته والملمح الأكثر بروزاً في زيارته لمصر، فكان حريصاً على زيارة الكاتدرائية المرقسية ولقاء البابا تواضروس، باعتبار أنها أول زيارة لمسؤول سعودي رسمي للكنيسة. وتضمنت دعوة البابا تواضروس والأقباط عموماً إلى زيارة المملكة لتحقيق التقارب والتسامح بين الأديان، وهي دعوة فريدة من نوعها، وتحمل كل معاني التنوير والتطوير في الخطاب السياسي والديني على المستوى العربي الإسلامي. كما أن زيارة الأمير لجامع الأزهر، ولقاءه شيخ الأزهر شكلت أيضاً إشارة مهمة إلى التكامل والتعاضد بين القاهرة والرياض، كدولتين مؤثرتين في العالم الإسلامي، ودحضت بعض التفسيرات التي كانت ترى أن هناك تنافساً مع مصر التي تضم إحدى أقدم الجامعات الإسلامية في العالم، وهي تفسيرات يغفل أصحابها أن ذات المرجعية الدينية السُّنية الوسطية المنفتحة نفسها ظلت على مر الزمان توحّد الخطاب على جانبي البحر الأحمر، وليس هناك تنافس، وإنما تكامل وتعاون وتضامن بين الجانبين. والحال أن الرسائل قدمت المملكة بشكل جديد للعالم الخارجي، وبما يتناسب مع ارتفاع سقف الأمل والعمل في مشروع أول أمير شاب من الجيل الثاني يأخذ السعودية لهذا النهج ذي الرؤية الاستراتيجية الثاقبة، والقوة المرنة الجذابة. وهو مشروع يحمل كثيراً من التوجهات الجديدة، والجادة، الكفيلة بمواجهة المستجدات الإقليمية التي تواجه المنطقة. ويحمل أيضاً كثيراً من المؤشرات الإيجابية، التي ترسخ النهج المتسامح، والوسطي الجديد لسياسة المملكة، مما أعاد تألق وتفوق صورة الدبلوماسية السعودية في الوقت الراهن، التي تثبت أن الشقيقة الكبرى تعمل بالفعل على ترسيخ نظام إقليمي لا مكان فيه للشحنات والمناكفات الطائفية، التي صبغت فترة الأربعة عقود الماضية، وهي الفترة التي حاولت فيها جماعات ما يسمى «الصحوة»، وبعبارة أخرى جماعات الإسلام السياسي المتطرفة، السيطرة على الخطاب الثقافي العربي واختطاف الحديث باسم الدين، وأفرزت بذلك كثيراً من الصراعات الدموية الطائفية، والاحتقانات المذهبية بين مواطني دول المنطقة، الذين سوقت الجماعات المتطرفة بينهم نوعاً من الفرز حسب طوائفهم ومذاهبهم، وهو ما كان تربة خصبة لدعاة الكراهية، مع ما نتج عن ذلك من تفشي التطرف الديني، وهو ما تكشّف، في النهاية، عن تغول الإرهاب. المملكة الجديدة تحمل مشروعاً ثقافياً وحضارياً جديداً، من شأنه أن يسهم في ترسيخ أرقى أنواع الشراكة والتعاون والتفاهم والتآخي بين شعوب المنطقة، وإحلال الحوار بين الأديان بدلاً من الصراع والتطاحن الطائفي والمذهبي الذي خلقته طهران بعد ثورة الملالي هناك سنة 1979، ضمن مشهد إقليمي مشتعل ذاقت منه شعوب المنطقة أشد وأقسى المعاناة بمختلف طوائفها وأديانها ومذاهبها. والراهن أن من يرصد ويتابع توجهات محمد بن سلمان، وخطابه السياسي الراقي والحضاري إلى أبعد الحدود، فلن تخطئ عينه ملاحظة أن هذا المشروع يسير وفق تصور واضح، وهو يسعى بمنتهى الشجاعة والإقدام، إلى تحقيق أهداف، وغايات صادقة واثقة، وضعها نصب عينيه، وسعى إلى تحقيقها بكل عزيمة وإصرار، وكل الدلائل تشير إلى أنه سيحققها أيضاً بكل كفاءة واقتدار. حيث إنه يعرف ما يفعل، ويعني ما يقول، ويعلم يقيناً أن المنطقة، لا يمكن أن تستأصل بواعث ثقافة الكراهية إلا بالأخوة والتعاون والتعاضد بين شعوبها، واجتثاث كل ما من شأنه أن يعكر أو يؤجج ثقافة العنف والتطرف والفرز الطائفي والاستقطاب المذهبي وسوى ذلك من آفات دفعت المنطقة ثمنها باهظاً خلال السنوات والعقود الماضية. ولم يغفل ابن سلمان أيضاً الأهمية الاستراتيجية البالغة للحليف الاستراتيجي المملكة المتحدة التي جعلها وجهته الأولى بعد توليه ولاية العهد كدولة غربية، وقد سعى لإبرام اتفاقيات معها من شأنها أن تقود المملكة والعالم العربي لفضاءات أرحب، حيث بلغت قيمة الاتفاقيات الموقعة مع الجانب البريطاني أكثر من7 مليارات ريال سعودي، وتشمل هذه الاتفاقيات مجالات الصحة والاستثمار والابتكار والطاقة، وكل هذا من شأنه أن يصب مباشرة في إطار رؤية المملكة 2030. هذا فضلاً عن أهداف طموحة أخرى لتوسيع الشراكة والتجارة المتبادلة وفرص الاستثمار بحوالي 65 مليار جنيه إسترليني على مدار الأعوام المقبلة، بما في ذلك استثمار مباشر ومشتريات عامة سعودية جديدة من شركات في المملكة المتحدة. والحال أن زيارة محمد بن سلمان إلى كل من مصر والمملكة المتحدة كانت زيارة ناجحة بكل المقاييس، وبعائد أرباح مضاعف، وبمعادلة رابح-رابح، حيث فتحت هذه الزيارة آفاق شراكة وتعاون تحمل الكثير من الفرص وتمتلك كل مقومات النجاح، كما أرست أيضاً، في الوقت نفسه، دعائم الصعود الاقتصادي والسياسي السعودي الجديد، في المنطقة، وعلى المسرح الدولي، وهو ما يعني بالنتيجة أن مشروع الأمير الشاب يسير بالمملكة والمنطقة على طريق النهوض والصعود بسقف طموح مفتوح.