لا يزال مفهوم ضريبة القيمة المضافة مبهماً بالنسبة للكثيرين، بل إن بعضهم يعتقد خطأً بأنها فقط مصدر لزيادة العائدات لتمويل الموازنة السنوية، بينما الحقيقة أكبر وأهم من ذلك بكثير، فقبل أن تكون مصدراً للدخل، فإن القيمة المضافة هي أداة اقتصادية فاعلة جداً لتحسين الأداء الاقتصادي وتوجيه الموارد وضبط الإيقاع الاقتصادي بما يتناسب والمتطلبات التنموية. كيف يتم ذلك؟ تشير التجربة الأوروبية إلى أن استخدام نسب ضريبة القيمة المضافة قد ساهم كثيراً في تعافي الاقتصادات الأوروبية في بعض الأوقات، وساهم في لجم الاندفاع المتسارع نحو الاستهلاك وما قد يترتب عليه من عوامل سلبية في بعض الأحيان، وذلك من خلال خفض أو رفع نسبة ضريبة القيمة المضافة. ففي الحالة الأولى، وإذا ما تباطأ النمو، فإن تشجيع الاستثمارات وجذبها يصبح قضية رئيسية، فيعمد متخذ القرار إلى تخفيض هذه الضريبة لدعم النمو والاستهلاك على حد سواء، أما إذا حدث العكس، فتتم زيادة نسبة الضريبة. حدث ذلك مراراً، أي أن نسبة ضريبة القيمة المضافة ليست ثابتة على مدى السنوات، ففي بريطانيا مثلاً تراوحت بين 12 و20% خلال السنوات الماضية، وذلك وفقاً للأوضاع الاقتصادية ومتطلبات التنمية، وكذلك هو الحال في بقية بلدان العالم التي تأخذ بنظام ضريبة القيمة المضافة، علماً بأن ذلك لا يتم بين ليلة وضحاها منعاً لإرباك الأوضاع الاقتصادية العامة، وإنما يتم بعد دراسات شاملة لتلك الأوضاع. وتشبه هذه الأداة الاقتصادية المهمة إلى حد بعيد الأداة التي تلعبها أسعار الفائدة، والتي ترتفع وتنخفض وفقاً للأوضاع الاقتصادية العامة والمتطلبات التنموية، مع ضرورة النظر إلى الفارق بين هاتين الأداتين، حيث ترتبط الأولى أساساً بأسعار السلع والخدمات، بينما ترتبط الثانية بالقروض المصرفية والتمويل، إلا أن لكليهما دوراً فعالاً في تحديد وتوجيه الأنشطة الاقتصادية. لذا أوجد ذلك بعض الإشكالات في التكتلات الاقتصادية والأسواق المشتركة، فنسب القيمة المضافة بين دول الاتحاد الأوروبي- على سبيل المثال- ليست موحدة، وهي تتفاوت بين دولة وأخرى، مما أثّر في القدرات التنافسية لهذه الدول التي تنتقل السلع والخدمات ورؤوس الأموال فيما بينها بحرية تامة، إذ تعتبر البلدان ذات النسب المنخفضة أكثر قدرة على المنافسة، حيث تطالب الدول الأخرى حالياً بضرورة توحيد نسبة ضريبة القيمة المضافة بين دول الاتحاد لخلق بيئة تنافسية عادلة. من هذا المنطلق اتخذت دول مجلس التعاون الخليجي قراراً جماعياً صحيحاً، وهو البدء الجماعي في تطبيق ضريبة القيمة المضافة في الدول الست، في وقت واحد اعتباراً من مطلع يناير الماضي، إلا أن بعض الإشكالات واجهت التطبيق الجماعي، إما لأسباب تتعلق بعملية تحضير البنية التشريعية والفنية لعملية التطبيق، أو لأسباب تتعلق بالتوجهات الاقتصادية المستجدة، مما أدى إلى تطبيقها في بعض البلدان وتأجيلها لمدة عام في بلدان أخرى ودورانها في أروقة السلطات التشريعية حتى الآن في بلدان أخرى. وحتى الآن، فإن هذا التفاوت لم يخلق فارقاً كبيراً بين تلك البلدان، أولاً على اعتبار أن مدة التأجيل عاماً ليست مدة زمنية طويلة، وثانياً على اعتبار أن نسبة الضريبة لا تتجاوز 5%، وبالتالي فإن تأثيراتها محدودة أيضاً وقد أمكن التعامل معها بنجاح، علماً بأن نتائجها ستنعكس إيجابياً على البلدان التي قامت بتطبيقها، سواء بالنسبة لاستخدامها، كأداة مالية لتوجيه السياسات الاقتصادية، أو في تطوير الأنظمة المالية والضريبية لتتناسب والاقتصادات الحديثة، إلى جانب توفير عائدات مهمة للموازنات السنوية وتقليل اعتمادها على العائدات النفطية، وتكوين ثقافة استهلاكية جديدة وتراكم تجارب للبناء الاقتصادي السليم. لذا فإنه يمكن للبلدان الخليجية الأخرى الاستفادة مستقبلاً من تجربة الدول التي طبقت هذه الضريبة، مع ضرورة تنسيق نسبة الضريبة في هذه الدول مستقبلاً، ضمن السوق الخليجية المشتركة. ------------------------ *مستشار وخبير اقتصادي