من غير الواضح بعد إن كان المشاهدون العرب، خاصة العشاق منهم وربّات البيوت، والذين جذبهم جمال «نور ومهند»، سيتعاملون بوعي مع قرار مجموعة «أم بي سي» (مركز تلفزيون الشرق الأوسط)، الذي وضعت بموجبه كافة الأعمال الدرامية التركية خارج القنوات المنتمية إليها، وذلك اعتباراً من الخامس من مارس الحالي، وحتى إشعارٍ آخر، كما أنه من المبكر أن يتم التجاوب الطوعي مع القرار السابق على مستوى الدول العربية، لأن ذلك مرتبط ـ بكل صراحة وشفافية ـ بالمواقف السياسية لدول القنوات التلفزيونية، سواء أكانت حكومية أم خاصة. وبعيداً عن حسابات الفن المتعلقة بالذوق العربي العام، وتجنُّباً لأيِّ نزاع تاريخي متعلق بإرثنا المشترك مع الأتراك في ظل الخلافة العثمانية ـ سلباً أو إيجاباً ـ وتفادياً للحديث حول التكلفة الاقتصادية ـ رغم أهميتها ـ من ذلك أن تكلفة إنتاج الحلقة الدرامية التركية الواحدة تصل إلى نحو 250 ألف دولار، مقارنة بتكلفة إنتاج الحلقة الواحدة في المسلسل العربي، التي تتراوح بين 40 إلى 100 ألف دولار تقريباً، فإن الدراما التركية مثَّلت خطراً على وعي المجتمعات العربية، وكانت ــ بقصد من أصحابها أو بدونه ــ مدخلاً للترويج السياسي للنظام الحاكم في تركيا الآن، وحين اشتدت أزماتنا واستفحلت قدمت المجتمع التركي كمثال يقتدى به، وكيف لا؟!، وحزب "العدالة والتنمية" مساند لقيام جماعات إرهابية في دولنا، ومدافع عن تيار الإسلام السياسي، مادياً وإعلامياً وسياسياً. قد يبدو لكثير من المهتمين، أن تناول موضوع الدراما شأن يخصُّ الصحافة الفنيَّة، والنقاد في مجال الفنون، وهذا حقيقة لكنها ليست بمعزل ـ ظاهراً وباطناً ــ عن كل القضايا الحياتية الأخرى، السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى التاريخية، ولوعدنا بالذاكرة إلى الوراء واستعدنا المسلسلات التركية التي شاهدناها ـ ولا ننكر أننا استمتعنا على مستوى الفرجة، وما تميزت به من جودة، خاصة في التقنية والأداء والإضاءة وفرز الألوان.. إلخ ـ لأدركنا أن العرب شاركوا على مستوى مسؤولي الفضائيات العربية في تبسيط لغة المسلسات التركية حتى غدت مطلوبة من عموم المشاهدين، فقد بدأ دبلجة تلك المسلسلات بالفصحى، ثم ـ في ظل تنافس شديد، وتراجع الاهتمام باللغة العربية الفصحى، ونكران لأهمية الوجود الثقافي العربي، وطغيان الوطني عن القومي، تمت دبلجة المسلسلات التركية بعدة لهجات محلية، منها: السورية، واللبنانية، والمصرية، والتونسية، والجزائرية، والخليجية.. وغيرها. والعرب اليوم يُدْفَعُون دفعاً من جيرانهم نحو اتخاذ قرارات ومواقف ذات طابع ثقافي وفني، انطلاقاً من خلفيات سياسية، مهما تكن نتائجها على صعيد العلاقات، فهي بالتأكيد أقل حدة من مواقف الجيران، الذين يصرون على الدخول معنا في صراع غير مبرر، والمشكلة هنا أن مواقف العرب ليست واحدة، ولا تمثل حتى الحد الأدنى من الاتفاق بيننا، وذلك ما تُعَوّل عليه تركيا وغيرها، ولهذا لا ينتظر أن نشهد مقاطعة شاملة للدراما التركية في قنواتنا العربية، والسبب أن علاقة عدد من الدل العربية بتركيا ذات طبيعة خاصة، بل إنها معادية لدول عربية أخرى تدخلت تركيا في شؤونها الداخلية، أو شنت عليها الحرب، أو ناصرت أعداءها. أن تعدد السّياسات العربية واختلافها، ليس رحمةً ولن يكون، حتى لو بررت دول بعينها ذلك بمصلحة الدولة القطرية، أو حاولت الـتأكيد على أنها العلاقة سببها ترك الباب مفتوحاً ضمن إستراتيجية طويلة الأمد، تخصُّ علاقة العرب بغيرهم، لهذا ولغيره حان الوقت للنظر في علاقاتنا الخارجية، ولتكن البداية من الثقافة، وتحديداً من الفن، باعتباره أحد عناصرها الأساسية. ـــــــــــــــ * كاتب وصحفي جزائري