شهدت أسعار النفط في الأيام الماضية مرة أخرى تذبذبات حادة، وهو أمر متوقع نتيجة لتأثرها بمجموعة من العوامل الإيجابية والسلبية المحيطة، سواء الاقتصادية منها المتعلقة بأوضاع الاقتصاد العالمي والخاصة بتقلبات السوق، أو الجيوسياسية أو الطبيعية المرتبطة بتقلبات المناخ وما تسببه من كوارث، وكذلك الإضرابات في بعض مواقع الإنتاج في البلدان المضطربة، كإيران وفنزويلا. لذلك، وعند تحليل أسواق النفط ومحاولة معرفة اتجاهات الأسعار، لابد من أخذ كافة هذه العوامل مجتمعة بعين الاعتبار للخروج بنتائج أقرب إلى الواقع، خصوصاً وأن العديد من القرارات والتوجهات الاستثمارية للقطاعين العام والخاص في البلدان المنتجة للنفط تتخذ على ضوء هذه التطورات الخاصة بأسعار النفط، والتي تعتبر الممول الأساسي للموازنات السنوية. ولنأتي أولا للجوانب الإيجابية المؤثرة في الأسعار والتي تكمن بصورة رئيسية في الاتفاق التاريخي بين المنتجين من داخل وخارج منظمة «الأوبك»، والتي تبدو مصممة ليس فقط للحفاظ على الاتفاق، وإنما أيضاً للقيام بالمزيد من التخفيضات إذا لزم الأمر، كما يتضح من زيارة وزير الطاقة الروسي للسعودية الأسبوع الماضي، إذ سيؤثر ذلك بشكل كبير في الأسواق باتجاه المحافظة على معدل مرتفع نسبياً للأسعار. وفي هذا الجانب أيضا، هناك تحسن في أوضاع الاقتصاد الدولي وارتفاع معدلات النمو في الولايات المتحدة والصين والهند والاتحاد الأوروبي الذي بدأ في تجاوز العديد من مخلفات أزماته المتكررة، وهو يسير الآن من جديد نحو تحقيق معدلات نمو جيدة، بما في ذلك الاقتصاد البريطاني الذي واجه بعض الصعوبات بسبب عملية الخروج من الاتحاد والمقررة رسميا بعد عام من الآن. وأخيرا، فإن هناك إمكانية لتراجع الإنتاج في بعض البلدان لأكثر من سبب يتعلق بعوامل فنية أو مصاعب اقتصادية أو لانخفاض الاحتياطيات، خصوصا وأن الاستثمارات في التنقيب تراجعت بصورة ملحوظة في السنوات السبع الماضية بعد الانهيارات المتتالية في الأسعار، بما في ذلك مجال النفط الصخري والذي نشطت فيه الاستثمارات مؤخرا بعد ارتفاع الأسعار مجدداً. أما الجوانب السلبية، فتتلخص في العوامل التالية، وأولها الزيادة الكبيرة في إنتاج النفط الصخري الأميركي والمتوقع أن يصل معدل الزيادة فيه إلى 660 ألف برميل يومياً، حيث يمكن التعامل مع هذه الزيادة وامتصاصها في حالة تأثيرها على الأسعار من خلال القيام بالمزيد من التقليص في الإنتاج ضمن اتفاق الدول الأعضاء في منظمة «الأوبك» مع البلدان المنتجة من خارجها، وذلك إذا ما أبدى الجميع التزاماً بالتخفيضات الجديدة، وهو ما سيشجع على إمكانية النجاح في التعامل مع الزيادة الطارئة، خصوصاً وأن كافة البلدان لمست مدى استفادتها من التخفيضات السابقة، حيث شهدت عائداتها من النفط ارتفاعاً كبيراً رغم تخفيض إنتاجها بعد الاتفاق. ثانياً تشكل عملية الالتزام بالتخفيضات الجديدة إذا ما اتُّفِق عليها تحديا بسبب تعدد الأطراف والدول، مما قد يقود إلى خروقات وخروقات مضادة من أجل تحقيق عوائد أكبر، وهو ما سيؤدي بدوره إلى الإخلال بعملية العرض والطلب بالأسواق، وبالتالي إمكانية انخفاض الأسعار. وهناك ثالثاً عامل المضاربات والذي يخلق حالات من التفاؤل أو الذعر والذي يجد له انعكاسات مؤقتة على الأسعار ارتفاعاً وانخفاضاً، وهو ما يزيد من حالة التقلبات وعدم اليقين وربما يؤثر في حركة الإنتاج والأسواق من أجل تحقيق مكاسب سريعة. من خلال ذلك يمكن الاستنتاج، بأن أسعار النفط خلال العام الجاري ستشهد تذبذبات متتالية وكبيرة، إلا أن متوسط الأسعار سيكون أفضل من العام الماضي وسيتراوح بين 55 و70 دولارا للبرميل، وهو ما سيؤدي إلى تحسن الأوضاع الاقتصادية في البلدان المنتجة للنفط، خصوصا وأن العديد منها وضع موازناته السنوية على أساس سعر 50 دولارا للبرميل، مما يعني إمكانية تحقيق فائض في هذه الموازنات أو تخفيض في العجوزات المعلنة على أقل تقدير، وهو تطور إيجابي بحد ذاته.