تذكرني التقلبات السريعة التي تشهدها أسواق الأسهم هذه الأيام بثلاثة دروس سبق لي أن تعلمتها قبل بضع سنوات من خلال عملي كمستثمر في أسواق الدول الصاعدة. وإذا تمكن المرء من فهمها وأحسن تطبيقها، فيمكن أن تعمل على تحويل ظاهرة «التطاير» (التي تشهدها مؤشرات الأسهم)، إلى فرص يمكنه استغلالها على المدى البعيد. الدرس الأول: أن فترات الهدوء الطويلة التي تشهدها الأسواق لا بد أن تخلق الظروف التقنية التي تؤدي إلى حدوث اضطرابات عنيفة في المحافظ المالية. وحتى الأسبوع الماضي، كانت الصفة المميزة لقطاعات سوقية متعددة هي مستوى «التطاير» الأضعف من الناحية التاريخية ضمنياً وظاهرياً. وعلى رغم أن العديد من الأسباب الاقتصادية والمؤسساتية يُعتقد أنها تقف وراء هذا التطور (بما في ذلك معدلات التضخم العالية في العالم، والدور الداعم الكبير للبنوك المركزية، والميزانيات المتوازنة والنمو المتزامن)، فقد كان هناك أيضاً عامل حاسم يدفع القاعدة الاستثمارية للتكيف مع الاعتقاد الذي يقضي بأن أي هبوط في المؤشرات يصبح بمثابة فرصة للشراء. وهي استراتيجية استثمارية بسيطة أثبتت أنها مربحة بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية. ويتزايد عدد المستثمرين الذين يبدون رغبة أكبر في «الشراء عند التراجع في الأسعار». وبمرور الوقت، لا بد أن تتضاءل قيمة وفترة التراجع بشكل كبير، ومن شأن ذلك أن يقوّي هذا السلوك بشكل أكبر. وهناك الكثير مما يمكن للاقتصادي «هايمان مينسكي» أن يقوله حول الظاهرة التي تفيد بأن الاستقرار طويل الأمد يخلق اللامبالاة التي تمهّد لحدوث الاضطراب. الدرس الثاني: أنه يمكن لـ«الصفقات المزدحمة» Crowded trades أن تتميز بمستوى عالٍ من عدم الاستقرار يفوق بكثير ما يمكن أن يتوقعه المستثمرون. وهذا هو ما حدث خلال الأسبوع الجاري في حالة ما يعرف بالصفقات ذات مدى التطاير القصير، التي يتم إبرامها وفق أشكال متعددة، فبعضها كان واضحاً، مثل شراء منتجات يمكنها أن تعكس اتجاه مؤشر التطاير. وكان بعضها الآخر أيضاً مبنياً على مزيج من الأساليب المختلفة لبيع وشراء الأسهم. وكانت كل الإجراءات المتبعة في الأسواق تعكس رغبة المستثمرين في ضخ كمية غير عادية من السيولة في الأسواق. وسرعان ما أصبحت هذه الصفقات أكثر استقراراً وتحقق العوائد المجزية المنتظرة، وخاصة بعد أن تبناها عدد أكبر من المستثمرين والتجار. وهذا ما جعل حدوث انعكاس في المواقع من حيث حدوث تطاير طويل المدى أمراً صعب الحدوث. وحول هذه الأوضاع، ثبتت صحة ما سبق أن قاله الاقتصادي «جون مينارد كينيز»: «تعلّمنا الحكمة العالمية أن من الأفضل للسمعة أن تسقط بطريقة تقليدية من أن تنجح بطريقة غير تقليدية»! وفي هذه الظروف، لن يكون من المفاجئ أن تتسبب إعادة تسوية الصفقات المزدحمة في زعزعة الاستقرار في الأسواق برمتها. الدرس الثالث: خلال فترة الاضطراب التي تعاني منها الأسواق، يؤدي تغير سلوك المستثمر إلى تبني التوجهات العشوائية. ومثلما أظهر الاقتصادي «جورج أكيرلوف» والعمل الذي أنجزه «مايكل سبينس» الحائز على جائزة نوبل و«جوزيف ستيجليتز»، فقد بات من الصعب جداً أن نحكم على «النوعية» عندما تكون الأمور ملتبسة ومشوشة بشكل كبير، ويكون معدل التطاير في حالته المقلقة. وفي حالات البيع المكثف الذي يسود الأسواق، يمكن للمستثمرين أن يتعهدوا بأن يجعلوا التطاير في المستوى الذي يحقق المكاسب السوقية. ومن ذلك مثلاً، الاتجاه لشراء الأسهم والسندات التي تبيعها المرجعيات الموثوقة في القطاعين العام والخاص بأسعار رخيصة على أمل تحسن الأوضاع. وهذه الدروس الثلاثة ذات صلة بحركية السوق الراهنة التي توحي بأنها ذات طبيعة تقنية ولا تعود لأسباب اقتصادية أو مؤسساتية. وهذه التقلبات التي شهدناها في الأيام الأخيرة حدثت ضمن مفهوم تحسين وتطوير المبادئ الأساسية التي تعمل بموجبها الأسواق وليس بهدف تقويضها. ومن المرجح أن تقود هذه الاضطرابات إلى حالة صحية لإعادة تسوية الظروف الاستثمارية، ومثلما قال وارين بافيت: «فعندما يحدث الجزر فقط، يمكنك أن تكتشف من هو الذي يسبح عارياً»! ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»