انطوى افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية التي تستضيفها كوريا الجنوبية هذا العام على بارقة أمل لتخفيف التوتر في شبه الجزيرة الكورية، فقد حضر حفل الافتتاح وفد كوري شمالي رفيع المستوى تضمن الرئيس الفخري لكوريا الشمالية وشقيقة الزعيم الكوري الشمالي التي تشير التقارير إلى نفوذها السياسي المتزايد وإعدادها لأدوار أكبر. ولم تكن البداية بطبيعة الحال بحفل الافتتاح وإنما كان الزعيم الكوري الشمالي قد فاجأ العالم بإعلان نيته إرسال رياضيين ووفد بارز إلى الأولمبياد الشتوي الذي تستضيفه كوريا الجنوبية، وكان هذا مؤشراً على محاولة لتخفيف التوتر الذي ساد شبه الجزيرة الكورية في العام الماضي بعد تنفيذ بيونغ يانغ تجربتها النووية السادسة وإطلاقها صواريخ باليستية عابرة للقارات، وتبادل واسع النطاق للاتهامات والشتائم والتهديدات بالتدمير المتبادل مع الإدارة الأميركية. ثم تحول الإعلان إلى اتصالات ومباحثات لم تسفر فحسب عن مشاركة كورية شمالية في الأولمبياد وإنما أيضاً عن إتمام هذه المشاركة تحت الراية الموحدة لشبه الجزيرة الكورية على نحو يُذكر بسياسة الرئيس الكوري الجنوبي السابق التي سُميت بسياسة «الشمس المشرقة» بين عامي 1998 و2007، ويؤكد أن ما ذكرته التقارير عن توجهات «سلمية» لدى الرئيس الكوري الجنوبي الحالي ليست بلا أساس. والأهم من ذلك أن الزعيم الكوري الشمالي ليس مجرد «صبي أحمق» يلعب بالنار. وقد أثارت هذه التطورات مجدداً فكرة أنه دائماً توجد «بدائل للتصعيد» يمكن أن تُـجنب أطراف أي صراع، خاصة في حالة خطيرة كهذه، التدمير المتبادل، وكذلك فكرة أن الرياضة كما تلعب أحياناً دوراً في إثارة توترات بين الدول فقد لعبت أحياناً أخرى دوراً في توفير السياق أو التمهيد لتقارب سياسي تعثر طويلاً كما تذكرنا دبلوماسية «تنس الطاولة» بين الولايات المتحدة والصين في سبعينيات القرن الماضي، التي كانت بداية لتطورات تاريخية انتهت بالاعتراف الأميركي بالصين الشعبية بعد قرابة ربع القرن من الإنكار. وليس معنى ما سبق أن الطريق باتت ممهدة أمام سلام في شبه الجزيرة الكورية وتجديد الحديث عن تحقيق وحدتها، فكما أن للسلام أنصاره وفوائده فله أيضاً عقباته وخصومه، وكما أن الشعب الكوري شعب واحد فرقته السياسة فإن هذه السياسة نفسها قد أوجدت في شطري شبه الجزيرة نظامين متباينين تماماً يُذَكراننا مع الفارق بالتجربة اليمنية قبل الوحدة. ومن المؤكد أن إقامة سلام بين نظام ستاليني الطابع يمتلك رادعاً نووياً ونظام ليبرالي لا يمتلك هذه القدرة ليست بالأمر الهين وقد لا تكون ممكنة أصلاً، كما أنه إذا كان الرئيس الكوري الجنوبي الحالي صاحب نهج توافقي فإنه قد لا يعبر في هذا عن إجماع داخلي، فمن الحقيقي أن له مؤيدين يرون الخطر الهائل الكامن في سياسات التصعيد ولكن لهذه السياسات أنصارها الذين يستطيعون التحجج بسهولة بما يعتبرونه طبيعة عدوانية متأصلة في النظام الكوري الشمالي والاستشهاد بخبرة التاريخ القريب الذي شهد فشل سياسة «الشمس المشرقة». أما الخصوم الإقليميون والعالميون فحدث ولا حرج، فلم يخف رئيس الوزراء الياباني استياءه أو على الأقل عدم حماسه للتطورات السابقة، وقد تطوع بتحذير الرئيس الكوري الجنوبي من السقوط في فخ «دبلوماسية الابتسامات» الكورية الشمالية خلال الأولمبياد. أما نائب الرئيس الأميركي الذي حضر حفل الافتتاح فقد تجنب مخالطة الوفد الكوري الشمالي في حفل الافتتاح تماماً وامتنع عن حضور حفل العشاء الذي جمع وفدي الكوريتين وتعمد زيارة نصب تذكاري لستة وأربعين بحاراً كورياً جنوبياً قُتلوا في غرق سفينة حربية اتهمت سيئول كوريا الشمالية بإغراقها. وأخيراً وليس آخر تعمد الإعلان أن الرئيس الكوري الجنوبي أبلغه «دعمه القوي لاستمرار حملتنا المتمثلة في ممارسة أقصى درجات الضغط لمواصلة فرض عقوبات إضافية على كوريا الشمالية». وهكذا نجد أنفسنا مجدداً إزاء حالة من حالات «الجدل» بين الإرادة «الإقليمية» وتلك «العالمية» في تفاعلات الصراعات الدولية وإدارتها، فمن الواضح في حالتنا هذه أن «الإقليمي» يدفع باتجاه التهدئة والعكس صحيح بالنسبة للعامل «العالمي». ولا تشير الخبرات الماضية لهذا الجدل إلى نتائج واحدة إذ تتوقف حصيلته على حسابات معقدة ومتغيرة فالتوجهات الإقليمية قد تعززها أحياناً عوامل عالمية وتعارضها أخرى كما في الموقفين الصيني والياباني مما يجري حالياً ولذلك فإن علينا جميعاً أن نتابع ونحلل ونفهم حتى نزيد من معرفتنا العلمية بهذه الظاهرة المعقدة.