«الشخص الذي يرفع القطة من ذيلها يتعلم شيئاً لا يمكن أن يتعلمه بطريقة أخرى». قال ذلك الكاتب الأميركي الهزلي «مارك توين»، وقد رفع دونالد ترامب ذيل السلطة السياسية، كما لم يفعلها رئيس أميركي قبله. فهو أغرب الرؤساء أطواراً في التاريخ، ويعيش في برج مموه بالذهب في نيويورك، ومع ذلك فهو أصبح صوت من لا صوت لهم. يذكر ذلك كتاب «الترامبويه» TRUMPOCRACY الذي صدر الشهر الماضي، وهو تذكرة بأن ترامب الذي اشتهر كنجم برنامج تلفزيوني عن «البيزنيس»، هزم أكثر السياسيين حنكة في انتخابات الرئاسة، وقام بأغرب الأفعال خلال السنة الأولى من رئاسته، «وغرّدَ» حول الحرب النووية، وعقد صفقات «بيزنس» علنية مع ضيوف أجانب مدعوين في منتجع يملكه، وما لم يحدث أمر طارئ فمن السهل نسيان ذلك، وما تزال هناك ثلاث سنوات، وربما سبعة، إذا أعيد انتخابه! وفي الأسبوع الماضي رفع ترامب ذيل السلطة العالمية خلال يومين من حضوره المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس. فقبل وصوله كان زعماء الدول والبيزنس العالمي يعبِّرون همساً عن مخاوفهم من أن يطلق العنان لتعليقاته وولعه بإثارة الصدمات بتغريداته، بما قد يخلق أزمات «جيوسياسية» تفتح جبهة جديدة في النزاعات التجارية، أو يستفز البعض. وبدلاً من ذلك اكتشفوا أن «أكثر مواقفه تطرفاً مجرد طريقته في عقد الصفقات». وقام كرجل أعمال حقيقي بجولات للسؤال عن خططهم لزيادة استثماراتهم في بلاده، مؤكداً أنها تشهد نمواً اقتصادياً كبيراً، وتزدهر فيها أسواق الأسهم. وقال: «تاريخياً حسب ما أعتقد لم يُنتخب رجل أعمال أبداً رئيساً، وكان دائماً جنرالا أو سياسيا». ولم يذكر ترامب قط موضوعاً جيوبوليتيكياً، أو قضية دولية رئيسية كتغير المناخ، ولا ذَكرَ الصين أو إيران. وقال إنه «يضع أميركا أولاً، لكن ذلك لا يعني أميركا وحدها، ونمو أميركا يعني نمو العالم، وكذلك يضع باقي الرؤساء في العالم بلدانهم». ولوصف أداء ترامب في دافوس اقتبس كارلوس باسكال، سفير واشنطن السابق في المكسيك وأوكرانيا، كلمات أغنية «فرانك سيناترا» المشهورة «جئت إلى دافوس وفعلتها على طريقتي»! والمدهش أن يفهم الروس ترامب أفضل من الأميركيين، ولعل هذا سبب اتهام موسكو بالتدخل في الانتخابات الأميركية!.. «فيودور لوكيانوف»، رئيس المجلس الاستشاري لرئيس الجمهورية الروسي لشؤون التسلح والسياسة الخارجية، كتب في صحيفة «روسيا في الشؤون العالمية» الإلكترونية، أنه سأل معارفه الأميركيين ما إذا كان ترامب سيُنتخب لرئاسة ثانية. «وكان مجرد السؤال يجعلهم يرتعدون، لكن لم يقل أيٌ منهم لا». ويستغرب الباحث الروسي لذلك، فالوسط الصحافي في أميركا يعتبر العام الأول من إدارة ترامب سلسلة فضائح، وإخفاقات، ومخاز، «الحرب مع الإعلام»، و«لعبة القفيزة» مع الإدارة، واختلال عمل الجهاز، و«تدخل الأقارب في القرارات المتخذة». ومع ذلك فاستطلاعات الرأي العام تبيّنُ أن 80% منهم يدعمونه، و«يعتقدون أنه يحقق، أو يحاول تحقيق وعوده، وفيما يخص موضوع اللاجئين يثير غيض المراقبين أن قسماً ليس قليلاً من السكان تعجبهم صراحته». ومفتاح فهم الروس لترامب هو عبارة الرئيس الأسبق بيل كلنتون المشهورة: «إنه الاقتصاد يا غبي». ويذكر الباحث الروسي أن «تكيّفَ واشنطن مع العالم، الذي انبثق بعد الحرب الباردة، ونجاح التكيف كان موضوعياً أهم من المظهر الأخلاقي للمُنَفذ». وترامب، حسب الباحث الروسي، «منشغل بإعادة قولبة السياسة وفق التغيرات الجذرية المتتالية في العالم. والعاطفة المشبوبة تماثل المصالح الاقتصادية قبل كل شيء. وأن يختار التاريخ أحياناً ممثله شخصاً غريب الأطوار جداً أمر شهدته البشرية أكثر من مرة». وفي الختام، «إذا أردتَ أن تقول الحقيقة فليس عليك أن تتذكر أي شيء، فالنكتة أعظم بركة للبشرية». وهكذا يجعلنا «مارك توين» نبارك دونالد ترامب!