لم يمض وقت طويل منذ أن سطرنا هنا ثلاثة مقالات للتحذير من التعامل مع العملة الافتراضية المسماه «البيتكوين» والعملات الافتراضية الأخرى حتى رأينا مؤخراً انفجار فقاعة البيتكوين وتساقط ضحاياها بالآلاف على جانبي الطريق بعدما خسروا مبالغ طائلة في عمليات مضاربات ونصب محمومة راح ضحيتها الكثيرون حول العالم. في غضون أيام معدودة تضاعفت قيمة البيتكوين أكثر من مرتين لترتفع من ستة آلاف دولار إلى ما يقارب العشرين ألف دولار دون سند مادي أو مالي أو اقتصادي يبرر ذلك الارتفاع المفاجئ. وحدهم كبار المضاربين يجلسون خلف شاشات الكمبيوتر مبتسمين للسذج من المستثمرين والمتعاملين الحالمين بالربح السريع والثروة التي ستهبط من السماء، إلا أنه بدلاً من تلك الثروة اهتزت الأرض من تحت أقدامهم وهم يرون عملتهم الوهمية تنهار في يوم واحد لتنخفض بنسبة 40% تقريباً، وتتدهور إلى 13 ألف دولار ليرتفع عويلهم في مقابل ارتفاع ضحكات كبار المضاربين الذين جنوا أرباحاً خيالية، وليعاودوا الكرّة بعد يومين، فيعمدوا إلى رفع قيمة هذه العملة إلى 16 ألف دولار بانتظار جولة جديدة من جني الأرباح. لقد حذر المصرف المركزي في الدولة، وحذرت مؤسسات عالمية مرموقة من التعامل بالعملات الافتراضية، وبالأخص «البيتكوين»، بل إن بعض البلدان، كدولة الكويت جرّمت التعامل بها لما يمكن أن يكون لها من تداعيات سلبية ومدمرة على صغار المستثمرين، والذي سيجد له انعكاسات على الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمتعاملين. وللأسف، فإن الكثيرين من الناس، إما أنه لا يقرأ، أو أنه لا يكترث بالتحذيرات، يساعده في ذلك حملات الترويج الحديثة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك برسم صورة وردية ستنقله إلى عالم الثراء الفاحش بمجرد التعامل بالبيتكوين أو العملات الافتراضية. مرة أخرى أيها السادة الوضع ليس كذلك أبداً، هذه عملة يمكن أن تتبخر في ساعات قليلة، مثل ما حدث الأسبوع قبل الماضي عندما فقدت نصف قيمتها تقريباً في يوم واحد فقط، وهو ما سيتكرر لنرى سقوط المزيد من الضحايا. المشكلة أن هناك من يخلط وتلتبس عليه الأمور بين العملات الافتراضية والتعامل من خلال الدفع بالوسائل الحديثة، كالهواتف الذكية، إذ شتان بين الطريقتين، فالأولى عملة من السراب لا يعرف مصدرها، ومن يقف خلفها، في حين أن التعامل من خلال الأجهزة الذكية مسألة متقدمة، كجزء من النظام المالي والمصرفي الذي تشرف عليه البنوك المركزية، وهو مرتبط بعملات الدول وتتم وفق أنظمة مصرفية متطورة، بما في ذلك أنظمة الحكومات الذكية، والتي أخذت تنتشر في مختلف بلدان العالم.مثل هذه التوجهات، هي التي ستؤدي إلى اختفاء النقد والأوراق النقدية، التي نعرفها الآن، وليس العملات الافتراضية، كالبيتكوين التي يستغلها المضاربون والمتعاملون في الصفقات غير المشروعة بعيداً عن أعين الرقابة والبنوك المركزية والأنظمة والتشريعات التي تنظم التداول النقدي والمالي. والحال، فإن من تكبد خسائر جسيمة مؤخراً سيسعى للتعويض من خلال الانغماس أكثر في تعاملات «البيتكوين»، في حين أن العقل والمنطق يقولان إن نسيان الخسائر والخروج والمحافظة على ما تبقى، هو عين العقل، إذ أن البديل هو المزيد من الخسائر، والآلام التي سيتحملها المتعاملون. وبما أن الأمر أصبح مربحاً لمن يدير هذه العملات خلف شاشات الكمبيوتر، فإننا سنجد ظهور المزيد من العملات الافتراضية في الفترة القادمة بأشكال وتبريرات متعددة، حيث يتطلب الأمر ليس الحذر فحسب، وإنما الابتعاد عن التعامل بهذه العملات والاستثمار من خلال الطرق والأساليب والفرص الشرعية والرسمية التي تتم تحت إشراف الدول والبنوك المركزية وأنظمتها وقوانينها التي تحمي المتعاملين وتحفظ حقوقهم وتمنحهم في أغلب الأحيان عوائد على استثماراتهم ومدخراتهم.