اتّبع دونالد ترامب أسلوباً خاصاً جداً في تحديد سياسات الولايات المتحدة، لذا كان العام الأول من ولايته مقلقاً ومخيّباً للآمال على أكثر من صعيد. لم يغب نهج رجل الأعمال وتفكيره عن «رؤية» الرئيس و«ديبلوماسيته»، لكنه لم يساعده دائماً على اتخاذ القرار الصائب والمفهوم. فللسياسة معادلاتها التي لا تحلّها الحسابات والفواتير. من كوريا الشمالية إلى إيران وسوريا، مروراً بقضية الشرق الأوسط، بالإضافة إلى العلاقة مع الدولتَين الكبريَين روسيا والصين، لم يسجل ترامب أي نجاحات. وحتى الحرب على الإرهاب التي جعلها أولويته بقيت في إطار ما رسمته الإدارة السابقة. لذا يراوح المحللون بين مَن يعدّد الوقائع ليحكم بأن ترامب فشل، وبين مَن يميل إلى أنه لم ينجح ولم يفشل، وإنْ شكّل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل سقطته الكبرى التي يفتتح بها مسلسلاً من التوتر والإحباط في شرق أوسطٍ متداعٍ أصلاً. وفي محاولتهم لاستقراء السنة المقبلة 2018 يجد المحللون أنفسهم إزاء وضع مشوّش، فلا يعرفون إذا كان يصحّ أن يتبنّوا تنبؤات وفقاً لما باتوا يعرفون عن شخصية الرئيس وطريقة تفكيره، أم يجدر بهم أن يبنوا توقعات في ضوء سياساتٍ إمّا أعلنت ولما يبدأ تنفيذها بعد (إيران) أو قيل عنها الكثير ولم تكتمل ملامحها (كوريا الشمالية) أو أبقيت غامضة لصعوبة التقدّم فيها وربما استحالته (احتمالات التعاون مع موسكو وبكين). وتبرز أهمية هذا التعاون في مقال وزير الخارجية ريكس تيلرسون في «نيويورك تايمز» (28/12/2017) الذي دافع عما حقّقته ديبلوماسيته في مواجهة «التحدّيات» خلال أقل من عام. هناك صعوبات، في هذا السياق أيضاً، في التعامل مع أحكام الوزير ما دامت بورصة الثقة والانسجام بينه وبين رئيسه تتقلّب بين أسبوع وآخر. فالأرجح أن تفاهمات ترامب مع تيلرسون عندما عهد إليه بالخارجية كانت شيئاً ثم أصبحت شيئاً آخر. ولعل الاثنين لم يتوقّعا أن تصبح قضيتا التدخّل الروسي في الانتخابات واتصالات فريق ترامب مع روسيا كرة ثلجٍ كبيرة ومهدِّدة إلى حدٍّ استوجب فرملة عمل الإدارة كلّها والتجنّد لوقفها. لم يشر تيلرسون إلى مسألة القدس في مقاله، ولم يصعب عليه أن يتحدّث عن نجاح ضد إرهاب «داعش»، فالعام 2017 كان عام ضرب هذا التنظيم وإنهاء سيطرته في الموصل كما في الرقّة، وإجباره على الانكفاء على طريق التفكّك والانتهاء. لكنه إنجاز لم تستطع الولايات المتحدة وتحالفها الدولي الانفراد بأبوّته، بل إن روسيا وإيران تقاسمتاه معهما وادّعتا لنفسيهما «انتصاراً» ليس فقط على «داعش» بل صوّرتاه على أنه أيضاً ضد أميركا. فمن جهة تمكّنت إيران من فرض «الحشد الشعبي» العراقي في المعركة، ومن جهة أخرى باتت روسيا تتخذ من «نهاية داعش» ذريعة لمطالبة أميركا والتحالف بالانصراف من سوريا. وإذ يعلم الجميع أن الضربة التي تلقّاها تلك التنظيم ليست حاسمة، خصوصاً أن القوى النافذة على الأرض، تحديداً إيران والنظام السوري، تعمل على احتضان فلول «داعش» لإعادة إنتاجه. يفترض أن تكون 2018 سنة العنوانين البارزين للسياسة الخارجية الأميركية: كوريا الشمالية وإيران، وكلاهما ينطوي على احتمالات تراوح بين حرب مباشرة وحروب بالوكالة. وحين يقول تيلرسون إن واشنطن تمكّنت خلال 2017 من «ضبط طموحات» بيونغ يانغ، عبر حرمانها من 90 في المئة من مداخيل صادراتها، فقد بقي بعيداً جداً عن تأكيد أن التهديدات الكورية لأميركا نفسها تراجعت بنسبة كبيرة، أما الشروط الأميركية ل«الحوار» فيصعب أن يرضخ «كيم جونغ أون» لها، ولن تضغط الصين أو روسيا عليه لقبولها إلا إذا قدّمت أميركا لهما تنازلات في ملفات أخرى. لكن المؤكّد أنهما لا تريدان حرباً نووية قد تخسران فيها حليفاً تستخدمانه في اختبار أميركا وتحدّيها. حين يشدّد تيلرسون على «الحاجة إلى العمل مع روسيا حيث تتقاطع المصالح المشتركة»، فإنه يشير بشيء من الارتياح إلى الحالة السورية، ولعله يقصد التعاون في محاربة الإرهاب. غير أن روسيا طمحت دائماً إلى «صفقة» حول ملفات أخرى، معتبرةً أن سوريا لم تكن ولن تكون شأناً أميركياً. في المقابل قد يكون تيلرسون ألقى ضوءاً آخر على جديّة الإدارة في شأن التصدّي لإيران، إذ قال إن الاتفاق النووي «لم يعد وجهة التركيز الأساسية لسياستنا»، موضحاً «أننا الآن نواجه كامل التهديدات الإيرانية». لكن ثمة إجماعاً بين المراقبين على أن نفوذ إيران لم يتراجع بل واصل تمدّده قبل إعلان الاستراتيجية الأميركية وبعدها، بل إنه يتلقّى دعماً معنويّاً لم يتوقّعه من سياسات ترامب.