تتحرك جنوب أفريقيا بنمطها الديمقراطي الخاص، من أقصى أنواع الحكم الفردي إلى أقصى حالات الشرعية القانونية، والتمثيل الفعلي للقطاعات الصاعدة من مواطنيها السود والبيض على السواء. وذلك منذ أعلن «ثابو مبيكى» - الرئيس التالي للزعيم «مانديلا»: «إنني أفريقي»، إشارة لوقف الحديث عن البيض والسود. وها نحن أمام حزب «المؤتمر الوطني الأفريقي»، متوقفاً في كل انتخابات عامة عند 65% من الأصوات والنواب، بحيث لا يستطيع تغيير الدستور الذي يتطلب تغييره أكثر من الثلثين! هذا الثبات الذي جعل حزب البيض (التحالف الديمقراطي) يكسب 89 مقعداً من أصل 400 في آخر برلمان 2014، كما جعل حزباً ثورياً مثل «مناضلون من أجل الاقتصاد»، يحصل ?على ?25 ?مقعداً، ?وهو ?الذي ?تشكل ?أصلا ?من ?جناح ?الشباب ?في ?الحزب ?الحاكم ( المؤتمر) ?عام ?2013 ?بزعامة ?اتهمت ?بالتطرف ?لإعلانها ?الالتزام ?بالماركسية ?وبفلسفة «?فرانز ?فانون»، ?وتوجهات «?توماس ?سانكارا» (بوركينافاسو)، ?ويحصد ?أكثر ?من ?مليون ?صوت ?في ?انتخابات ?2014، ?مهدداً ?بمزيد ?منها ?في ?انتخابات ?2019. وقد كانت انتخابات الإقاليم مؤخراً درساً قاسياً لحزب المؤتمر الحاكم حيث خسر أغلبيته في أكثر من ولاية لصالح حزبي المعارضة الديمقراطي والثوري. في هذه الظروف يعقد حزب «المؤتمر الوطني» مؤتمره العام ليطرح اسم «دلاميني زوما» رئيسة له، ممهداً لها الطريق لرئاسة البلاد عام 2019 بحكم أن الرئيس ينتخبه مباشرة نواب الأغلبية، أي رئيس حزب المؤتمر.. حتى الآن ما لم يخسر أغلبيته، وهذا غير متوقع في القريب العاجل. وكانت السيدة «زوما» رئيسة مفوضية الاتحاد الأفريقي سابقاً، قد تنازلت عن إعادة ترشيحها في الاتحاد رغبة منها في التفرغ لبناء موقعها داخل حزب المؤتمر وطمعاً في رئاسة البلاد. وها هي «دلا ميني زوما» تخسر المعركة من داخل حزبها لصالح مرشح يتأهب لشغل المنصب منذ فضّل عنه «مانديلا» السيد «ثابو مبيكى» ليخلفه، ونعني هنا «سيريل رامافوزا»، نائب رئيس الجمهورية. ويملك رامافوزا موروثه كمؤسس لاتحاد عمال المناجم 1982، وكمفاوض أساسي مع حزب البيض قبل إجراء التحول بحوالي 5 سنوات، إلى جانب رفيقه «مبيكى». ثم إنه الآن –الملياردير- الحليف الرئيسي لجماعة «وحدة رجال الأعمال» الممثلة في النهاية لما يسمى «الرأسمالية السوداء» بتعبير الثوريين هناك. وقد أعانته الرأسمالية البيضاء كثيراً بمضاعفة مكافآت عمالها مؤخراً، لمسح أسوء عمل في تاريخه، إذ اتُّهِم في عام 2008 بأنه سمح بمجزرة «ماريكانا» التي قتل فيها أكثر من ثلاثين عاملًا من عمال المناجم لصالح ملاك الثروة التعدينية. ويبدو أنه يملك حياد «ثابو مبيكى» بعد المنافسة الحادة بينهما، واتهام مبيكى له بالجري وراء المال دون الاهتمام بالتعليم والخدمات العامة، والمساعدة في تقنين مشكلة الأراضي. هاهو «رامافوزا» يستعد لرئاسة البلاد، ولا نعرف لماذا تتجه كل التحليلات إلى أن حزب المؤتمر لن يخسر الأغلبية، وإن ضعفت نسبته كما حدث في انتخابات المجالس المحلية، لكن قوة المعارضة ستكون فعالة لصالح الأغنياء والفقراء بدرجات مختلفة. وفي دعايته يتجاهل «رامافوزا» قضية توزيع الثروة الوطنية، مركزاً على الفساد كظاهرة ترسخت أثناء حكم «جاكوب زوما»، بينما موضوع الساعة في جنوب أفريقيا هو مشكلات عمال المناجم والبطالة عموماً من جهة، ومشكلة الأرض التي تركت لمبدأ البيع من «جانب البيض والشراء من جانب السود»، مما خلق طبقة ملاك الأراضي السود القادرين وزاد الفقراء فقراً، من جهة أخرى. ولن يتدخل «رامافوزا» في مسألة التأميم أو فرض الضرائب، كما يطالب حزب «التحرير الاقتصادي» الثوري لأن «رامافوزا» نفسه يملك سلسلة من مؤسسات «ماكدونالدز» والصحف والمطاعم بشكل استفزازي للطبقات الشعبية. *رئيس مركز البحوث العربية والأفريقية- القاهرة