إصرار الجزائر على عدم المشاركة أو دعم قوات السَّاحل، المكونة من خمس دول أفريقية (مالي، وموريتانيا، والنيجر، وبوركينا فاسو، وتشاد) التي أنشئت في بداية يوليو الماضي، بدعم من فرنسا، أثار العديد من التساؤلات، منها: كيف ترفض المساهمة، وهي تشترك حدودياً مع ثلاث دول منها، هي: مالي والنيجر وموريتانيا؟ وإلى متى ستظل مكتفية بمحاربة الإرهاب داخل حدودها؟ وما المخاطر الأمنية التي ستواجهها في المستقبل في حال تمكَّنت قوات السَّاحل من الانتصار على الجماعات الإرهابية؟.. إلخ. الأسئلة السابقة، وخاصة السؤال الأخير منها، تُطْرح أيضاً وبشكل متواصل من المسؤولين في الجزائر، وخاصة قادة الجيش، لا لِأَجْل تقديم إجابات للأطراف الدولية المعنية بالأوضاع في الساحل الأفريقي ودول الجوار، ومنها بالأساس تمدد الجماعات الإرهابية وزيادة عددهم، ولأنها للبحث في كيفية المواجهة، والاستعداد لحرب طويلة المدى مع الإرهاب، قد تطال شظاياها أو شررها الجزائر بين الحين والآخر، ولكنها تشعل حرباً داخلية بأي حال من الأحوال على النحو الذي عاشته البلاد فيما يعرف بالعشرية السوداء، أو الحمراء كما يسميها البعض. ليست الجزائر رغم سياسة التّقشف الحالية عاجزة من الناحية المادية، أو حتى العسكرية عن دعم قوات الساحل، ولكنها ترفض ذلك لأسباب كثيرة، أهمها: أن الدستور الجزائري يمنع المشاركة العسكرية الجزائرية في الخارج تحت أي مسمى، ومشاركتها في الحروب العربية ضد إسرائيل كانت الاستثناء الذي يؤكد القاعدة، ثم إنها لا يمكن أن تتحالف أو تقاتل إلى جانب فرنسا، ناهيك عن أنها ترى في الوجود العسكري الفرنسي في مالي، ودعم باريس لقوات الساحل عسكرياً، تدخُّلاً سافراً في مجالها الأمني، ولكنها عاجزة الآن عن توقيفه أو صده، يضاف إلى هذا كله، وكما جاء على لسان قادتها العسكريين، ترفض القيام بدور الدركي أو الشرطي للدول الأخرى عند حدودها، وهناك سبب آخر، وهو: رفضها صراحةً الارتباط أو الدخول في تحالفات عسكرية لمواجهة الإرهاب، وتكتفي بدل ذلك بتبادل المعلومات والتعاون الأمني. عَمَلِياً يقوم التّصور السياسي الجزائري، وهو أيضاً عقيدة عسكرية على قناعة راسخة تأسسّت على مرتكزين، الأول عدم تدويل الإرهاب المحلي لأنه يلغي السيادة الوطنية، والاكتفاء بالتعاون دون التدخل الخارجي في كيفية محاربة الإرهاب داخل كل دولة مهما كانت المغريات الدولية، والثاني: أنها لا، ولن تُعوّل على أيّ دولة أو طرف أو جماعة لمساندتها ميدانياً بالعنصر البشري في حربها ضد الإرهاب، وتأتي تلك القناعة من وقوفها وحيدة في حربها ضد الإرهاب لمدة عشر سنوات، في الوقت الذي كانت فيه دول كثيرة غربية خاصة تدعم الجماعات الإرهابية مادياً وإعلامياً، وتوفر لهم الحماية والملجأ، لأجل تدمير الدولة الجزائرية. بناء على تلك القناعة ترفض الجزائر أن تكون شريكاً في أيّ حرب أو مواجهة خارج حدودها، وهي تدرك أن هذا خطر عليها من الناحية الاستراتيجية في المستقبل البعيد، ومع ذلك فهي تصر على الاستثمار في الحاضر، وموقفها من قوات الساحل أنَّها قوة عسكرية إقليمية ستتسبَّب في تدفق العناصر الإرهابية إليها، وأنها بمشاركة فرنسا أخذت طابعاً دولياً يرقى إلى مستوى التحالف، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار ما ذكره الرئيس «إيمانويل ماكرون» من أن بلاده ستقدم دعماً مالياً وعسكرياً لقوات الساحل مرهوناً بثلاثة شروط، أولها: إظهار مزيد من الفاعلية في التصدي للمتطرفين الإسلاميين، وهذا يستوجب تحقيق انتصارات ميدانية، والثاني: أن دعم قوات السَّاحل مُرْتبط بعدم حدوث تجاوزات تتعلق بحقوق الإنسان، أي أن تلتزم تلك القوات بالمبادئ الدولية، والثالث: تنفيذ إصلاحات مؤسساتية تكون في مستوى الحوكمة التي تطالب بها شعوب تلك الدول. خالد عمر بن ققه* * كاتب وصحفي جزائري