منذ أن أعلنت بعض دول مجلس التعاون الخليجي البدء في تطبيق ضريبة القيمة المضافة ووسائل التواصل الاجتماعي المشبوهة تعج بكل ما هو سلبي وخبيث وتحريضي، وبالأخص من قبل «محور الشر» المتمثل في التحالف الإيراني- القطري، مستغلين عدم معرفة الغالبية الساحقة من الناس بأهمية هذه الضريبة للمستقبل الاقتصادي، في الوقت الذي لن يؤثر كثيراً على المستويات المعيشية لمحدودي الدخل بفضل تفهم دول الضريبة للاحتياجات الأساسية للمواطنين. وفي هذا الصدد، اتخذت مجموعة من التدابير التي تشكل حماية لمحدودي الدخل، وبالتالي سد الثغرة التي يحاول «محور الشر» النفاذ من خلالها للإساءة، ففي دولة الإمارات ومملكة البحرين وضعت ضوابط لمراقبة الأسعار وعدم استغلال هذه الضريبة لرفع الأسعار بصورة مبالغ فيها، علماً بأنه من غير المقرر أن تشمل هذه الضريبة المواد الأساسية، كالأغدية والمشروبات والأدوية. أما سلطنة عُمان التي ستطبق بدورها هذه الضريبة، فقد استبعدت من حملة التحريض. وفيما يتعلق بالإجراءات بالمملكة العربية السعودية، فقد استحدث مؤخراً حساب خاص تحت مسمى «حساب المواطن» سيتم من خلاله تعويض المواطنين الذين سيتأثرون من تطبيق ضريبة القيمة المضافة ورفع أسعار الطاقة الكهربائية والوقود، والمتوقع أن ترتفع بصورة تدريجية، وذلك من خلال تحويل مبالغ الدعم لحسابات المواطنين وأغلبهم ينتمون لفئة الدخل المحدود. ومن أجل تعميم الدعم على أكبر فئة من المستفيدين، فقد شمل ذلك المواطنين السعوديين والمواطنة السعودية المتزوجة من غير سعودي وأبنائها، حيث قام أكثر من 13.5 مليون شخص بالتسجيل في حساب الدعم المسمى «حساب المواطن». مثل هذه الخطوة الذكية والمهمة، والتي أشرنا إلى ضرورة الأخذ بها في مقالات سابقة سيكون لها تداعيات إيجابية عديدة، فمن جهة ستحافظ على المستويات المعيشية لمحدودي الدخل وفي الوقت نفسه، ستؤدي إلى تطوير النظام المالي والضرائبي في هذه الدول، وستخفف العبء على موازنة الدولة من خلال إمداداها بموارد إضافية وتقنين الدعم وتخفيض حجمه ليصل إلى مستحقيه، وكذلك إغلاق باب التحريض بصورة نهائية وإفشال توجهات من يقف وراءه بصورة خبيثة. الملاحظ أن هناك تفهماً عاماً للإصلاحات المالية المهمة التي تسعى بعض دول المجلس للقيام بها استعداداً لمرحلة ما بعد النفط وبناء اقتصادات مستدامة من خلال العديد من التوجهات، كالتنوع الاقتصادي وتنويع مصادر إنتاج الطاقة، حيث من المقرر أن يبدأ قريباً بدولة الإمارات إنتاج الطاقة الكهربائية من المفاعلات النووية بمحطات برّاكة، في الوقت الذي قطعت الدولة شوطاً مهماً في إنتاج الطاقة الشمسية، كما جرت تفاهمات بين السعودية وروسيا لبناء 16 محطة نووية لإنتاج الكهرباء بتكلفة 80 مليار دولار من الآن حتى عام 2032، حيث ستتم تغطية جزء كبير من احتياجات البلاد من الطاقة الكهربائية. برامج التحديث في هذه الدول تسير بخطى حثيثة نحو التنوع والتجديد غير عابئة بدعايات «محور الشر»، الذي إما أنه يتفرج بعد أن خسر أشقاءه بتصرفاته وسياساته المعادية، كما هو الحال مع قطر، أو أن شعبه يعاني من البطالة وسوء الأحوال المعيشية وانهيار عملته الوطنية، كما هو الحال في إيران. من مجمل ما سبق يتضح أنه أخذ بعين الاعتبار الانعكاسات المتوقعة على محدودي الدخل، وبالتالي، فإن المستقبل وحده وليس سياسات التحريض من سيحكم على أهمية الإصلاحات المالية والاقتصادية في بعض دول المجلس، والتي ستكون مفيدة، كما تثبت التجارب الاقتصادية التاريخية في البلدان المتقدمة التي انتهجت نفس السياسات منذ سنوات طويلة، إذ ليس من السهل أن تبني المستقبل، وتهيأ الناس لقبول التغيرات المصاحبة له، فأعداء النجاح كثيرون، إلا أن الإصرار والحرص على السير في طريق النجاح رغم العقبات ورغم تحريض الفاشلين، هو الطريق الصحيح للتنمية وتوفير مستويات معيشة كريمة ومستقرة. ومع ذلك، فإن الجانب التوعوي مهم لاستيعاب هذه التغيرات والإصلاحات والتجاوب معها بصورة إيجابية وتحمل بعض أعبائها مؤقتاً من أجل مستقبل أفضل وأكثر استدامة.