القرار الذي أصدره صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، مؤخراً بشأن تشكيل لجنة للتعاون المشترك بين دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، يجسّد واقع العلاقات القوية بين الدولتين في المجالات كافة، والأسس المتينة التي ترتكز عليها، ليس فقط لأن هذه اللجنة يترأسها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، الذي يؤمن بأهمية الارتقاء بمسيرة العلاقات بين الدولتين، باعتبارها تمثل ركيزة للأمن القومي الخليجي والعربي بوجه عام، وإنما أيضاً لأن مهام هذه اللجنة واختصاصاتها تشمل المجالات كافة: العسكرية، والسياسية، والاقتصادية، والتجارية، والثقافية، ما يعني أنها ستمثل إضافة مهمة إلى مسار العلاقات الثنائية بين الدولتين خلال الفترة المقبلة. فمنذ تأسيس مجلس التنسيق السعودي- الإماراتي، في مايو من العام الماضي، والعلاقات بين الدولتين تشهد تطوراً متواصلاً في المجالات كافة، جسّدته «خلوة العزم» التي تعقد بالتناوب في الدولتين، وتدشن لآلية جديدة تستهدف تحويل الاتفاقات والتفاهمات إلى مشاريع ميدانية تعود بالخير على الشعبين، والوصول إلى مستوى جديد من العلاقات الاستثنائية بين الدولتين. ولعل أبرز مظاهر قوة العلاقات بين الدولتين، تطابق رؤيتهما إزاء قضايا المنطقة المختلفة، وتعاونهما المستمر من أجل إيجاد حلول فاعلة لها، والتصدي للمخاطر والتهديدات التي تواجه دول المنطقة، سواء فيما يتعلق بسياسات إيران العدائية التي تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، أو في مواجهة خطر التطرف والإرهاب والأطراف الداعمة له. وفي الوقت ذاته، فقد شهدت العلاقات الاقتصادية بين الدولتين نقلة كبيرة خلال الفترة الماضية، فالإمارات تعتبر أهم الشركاء التجاريين للسعودية على صعيد المنطقة العربية بشكل عام ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بشكل خاص، بحجم تبادل تجاري يصل إلى 21 مليار درهم، فضلاً عن تنامي الاستثمارات المشتركة بين الدولتين، ففي دولة الإمارات العربية المتحدة حالياً نحو 2366 شركة سعودية مسجلة لدى وزارة الاقتصاد، و66 وكالة تجارية، ويبلغ عدد المشاريع السعودية في الإمارات 206 مشاريع، بينما يصل عدد المشاريع الإماراتية المشتركة في السعودية إلى 114 مشروعاً صناعياً وخدمياً، برأسمال 15 مليار ريال سعودي، وغيرها الكثير من المؤشرات التي تعكس قوة العلاقات بين الدولتين وحيويتها. إن العلاقات الإماراتية- السعودية تمثل نموذجاً يحتذى به للعلاقات بين بلدين جارين تجمع بينهما وشائج التاريخ والجغرافيا، والاحترام المتبادل، والتوجه المستمر نحو ترسيخ هذه العلاقات، والارتفاع بها إلى ما يطمح إليه شعبا البلدين الشقيقين؛ ولذا فإن العلاقات بين الدولتين تتجاوز أبعادها الثنائية إلى البعد الخليجي العام، والعمل العربي المشترك بوجه عام، حيث تؤمن الدولتان بضرورة العمل على تنسيق المواقف المشتركة، بما يحفظ الأمن والاستقرار لدول المنطقة، ويصون مكتسباتها التنموية؛ لهذا تتوافق إرادة قيادتي الدولتين حول تعزيز علاقاتهما الثنائية، بحيث تظل نموذجاً يحتذى به للعلاقات الاستراتيجية والاستثنائية والتكاملية، سواء داخل دول المجلس أو على الصعيد العربي بوجه عام. ولعل ما يضفي على هذه العلاقات مكانة استثنائية أنها: أولاً تستند إلى اعتبارات تاريخية، وميراث مشترك من التقدير والاحترام والاعتزاز المتبادل بين قيادتي الدولتين، والإدراك المشترك لأهمية تطوير العلاقات الثنائية بين الدولتين بما يحقق مصلحة الشعبين الشقيقين. وثانياً لأنها تستند إلى أطر مؤسسية وتنظيمية قوية تضمن لها باستمرار التطور في المجالات كافة، سواء اللجنة العليا المشتركة التي تم تشكيلها في مايو 2014، أو مجلس التنسيق السعودي- الإماراتي الذي تأسس في مايو 2016، فوجود مثل هذه الأطر المؤسسية لا شكّ في أنه يسهم في تعزيز التعاون والتنسيق المشترك بين الدولتين، ويساعدهما على تنفيذ الرؤية الاستراتيجية لقيادتي البلدين للوصول بالعلاقات إلى آفاق أرحب وأوسع في المجالات كافة. وثالثاً لأن هذه العلاقات شكلت على الدوام عاملاً رئيسياً في الحفاظ على مقتضيات الأمن الخليجي والعربي بوجه عام، وخاصة أن هناك إدراكاً عميقاً من جانب قيادتي الدولتين لطبيعة المرحلة التي تعيشها المنطقة والعالم، وأهمية التوحد في التعامل مع متغيراتها ومستجداتها وتفاعلاتها، وبما يعزز الأمن الخليجي والعربي. عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية