ببداية الطرح العام للاكتتاب في شركة «أدنوك للتوزيع»، وتحديداً من يوم 26 نوفمبر الجاري، تكون سوق الإمارات للأوراق المالية، وبالأخص سوق أبوظبي، قد دخلت مرحلة جديدة على المستويات كافة، لتستجيب ومرحلة التطور السريعة التي يمر بها الاقتصاد الإماراتي، ولتلبي أحد أهم الأهداف الاستراتيجية الرامية إلى زيادة الدور التنموي للقطاع الخاص، كما أنها تتزامن مع يوم الشهيد واليوم الوطني المعبرين عن الشجاعة والإنجاز وحب الوطن. تعتبر هذه الخطوة الرامية إلى طرح حصة أقلية للاكتتاب العام للأفراد والمؤسسات المحلية والأجنبية في إحدى شركات «أدنوك» العملاقة، وهي شركة «أدنوك للتوزيع» التي تعد أكبر شركة توزيع للمنتجات النفطية في الدولة، وتمتلك 460 محطة، يعتبر تطوراً مهماً، خصوصاً وأنه الاكتتاب الأكبر في الفترة الماضية، كما أنه يرتبط بأهم قطاع اقتصادي، يمثل محور النشاطات الاقتصادية في الدولة، حيث يتوقع أن يترتب على هذا الطرح تداعيات إيجابية كبيرة ومؤثرة وذات أبعاد تنموية بعيدة. أول هذه التداعيات توافر فرص استثمارية للقطاع الخاص، سواء للأفراد أو للمؤسسات، فالقطاع الخاص المحلي يملك قدرات مالية كبيرة جداً تفوق الفرص الاستثمارية المتاحة، مما شكل ضغوطاً على بعض القطاعات، كالقطاع العقاري على سبيل المثال، إذ تتيح مبادرة «أدنوك» الحالية توجيه جزء من استثمارات القطاع الخاص ومدخرات الأفراد لقطاع حيوي، في الوقت الذي ستتوافر من خلال عملية الطرح، لشركة «أدنوك»، قدرات مالية إضافية، ستتيح لها تنمية وتوسعة أعمالها واستثماراتها المحلية والخارجية، خصوصاً وأن «أدنوك» تملك استراتيجية للنمو والتوسع باستثمارات رأسمالية تزيد على 400 مليار درهم للسنوات الخمس المقبلة كما جاء بحديث صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الذي ترأس اجتماع المجلس الأعلى للبترول بداية الأسبوع الجاري، إذ يتوقع أن تنفذ مشاريع ضخمة وبرامج للتطوير والتوسع في العديد من المجالات، كصناعة التكرير والبتروكيماويات، مما يعني توافر مردود مهم للاقتصاد المحلي، ولاقتصاد أبوظبي تحديداً. ثاني هذه التداعيات تقديم دفعة قوية لسوق أبوظبي للأوراق المالية، سواء بزيادة قيمتها الإجمالية أو بزيادة عدد الشركات المدرجة، مما سيزيد جاذبيتها وثقلها في أسواق المال الإقليمية ويضيف لبنة لإمكانية انتقالها من الأسواق الناشئة وإدراجها ضمن مؤشر الأسواق المتقدمة. ثالثاً، ستتوافر إمكانات للمزيد من التطوير الإداري بفضل تحول «أدنوك للتوزيع» إلى شركة مساهمة، فالتجربة الإدارية للقطاع الخاص في الدولة غنية وتتمتع بخبرات عديدة، ويمكن أن تساهم في تطوير نشاطات الشركة وزيادة أرباحها وتنمية أعمالها، ما يعني من اندماج ناجح بين ميزات وخبرات القطاعين العام والخاص لمصلحة الاقتصاد المحلي. رابعاً: بمثل هذه الخطوة المتقدمة تفتح شركة «أدنوك» الأبواب أمام العديد من الشركات الكبيرة في الدولة للإقدام على خطوات مماثلة، مما سيشكل نقلة نوعية للرؤية المستقبلية للدولة، وتغييراً استراتيجياً في توسيع ملكية المؤسسات، مما سيوفر البيئة المناسبة لتحول الاقتصاد الإماراتي إلى اقتصاد أكثر تنوعاً، يقوم فيه القطاع الخاص إلى جانب القطاع الحكومي بدور تنموي منشود وتسعى إليه الدولة ضمن رؤيتها للمستقبل. بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من الجوانب الإيجابية لهذه الخطوة الجريئة من شركة «أدنوك» الأم التي شهدت بدورها في الآونة الأخيرة تغيرات أكسبتها أهمية أكبر محلياً وخارجياً، ونظراً لذلك، فإنه يتوقع أن يكون هناك إقبال كبير من قبل المستثمرين أفراداً ومؤسسات محلية وخارجية على عملية الاكتتاب خلال هذه الأيام ليعكس مدى أهمية هذه الخطوة، والتي تكمن أحدى إيجابياتها في فتح عملية الاكتتاب للجميع لاستقطاب المزيد من رؤوس الأموال الباحثة عن فرص استثمارية مجزية. ومثلما أشرنا في مقالات سابقة عن تحول شركات النفط الخليجية، فإن طرح أدنوك للتوزيع للاكتتاب العام، والتي سيعقبها طرح المزيد من شركات النفط الخليجية، سيؤدي إلى تغييرات جذرية في صناعة النفط الخليجية من خلال توالي طرح المزيد من حصص شركات النفط الخليجية للاكتتاب العام، وذلك ضمن توجهات مدروسة ومتأنية لدعم هذه الاقتصادات وتنوعها، بما في ذلك تنوع مصادر الطاقة لتوفير مقومات أساسية للتنمية المستدامة.