استنفد النظام القطري كل الحيل والمراوغات التي يهدف من خلالها إلى التملص من استحقاقات الأزمة التي وضع نفسه فيها، وبدلاً من قيام الدوحة بمراجعة سياساتها الداعمة للإرهاب والتخلي عن إيواء المطلوبين للعدالة المدرجين على لوائح المنظمات الإرهابية، فهي تصر بأساليب متعددة على الهروب المستمر إلى الإمام، وتراهن على خداع العالم واستعطاف الدول الغربية تحديداً والمضي في ترويج الرواية القطرية الزائفة للأزمة القائمة. في حين كان على قطر إقناع جيرانها أولاً وليس مخاطبة الغرب بأسلوب بكائي عاطفي، لأن الجيران معنيون أكثر من الغرب بعودة المياه إلى مجاريها في الخليج، لكن قطر قررت السير في طريق المكابرة، الأمر الذي يجعلها في كل مرحلة تضطر لابتكار كذبة جديدة ومراوغات إضافية للتغطية على فشلها الدبلوماسي. أحدث مراوغة قطرية في هذا الاتجاه جاءت عبر حملة إعلامية منسقة، كل مساراتها تخاطب الغربيين في إطار سعي قطري للتهرب من مواجهة الأزمة وتسويق رؤية مخالفة للإجماع الشامل حول أسبابها وجذورها. المسار الأول للحملة الإعلامية القطرية الفاشلة تمثل في استدعاء أحد أضلاع تنظيم الحمدين وهو حمد بن جاسم، الذي يتأرجح بين التقاعد المبكر وبين العودة المتكررة للثرثرة واستعراض الذكريات من وجهة نظره لتحسين صورة قطر، وأحياناً لإعلان التحدي والإصرار على النهج المتطرف الذي قام بتأسيسه مع الحاكم السابق. وفي المقابلة الأخيرة معه كان يعتقد أن تقديم أنصاف الحقائق سوف يبرئ قطر من ورطتها، لكن حمد بن جاسم أضاف اعترافات جديدة لتورط قطر في زعزعة الأمن الخليجي مهما حاول التبرير لذلك السلوك العدواني الذي مارسته الدوحة ضد جيرانها. كما فشل في كسب ود الشارع الخليجي والرأي العام القطري المغلوب على أمره، وبدلاً من أن توضح المقابلة بعض الأمور الغامضة ازداد الغموض حول أسباب وقوف قطر بإمكانياتها المالية والإعلامية وراء كل من يضمرون الشر ويتربصون باستقرار الخليج وأمنه، وفي مقدمة ذلك الاعتراف بالتنسيق القطري مع ليبيا في عهد القذافي لاستهداف قيادة المملكة العربية السعودية. المسار الثاني للحملة القطرية تمثل في المقابلة الاستعراضية مدفوعة الثمن التي أجرتها إحدى القنوات الأميركية مع أمير قطر تميم آل ثاني، الذي حاول استمالة المذيع وتكرار اسمه في مطلع كل إجابة على الأسئلة المتواضعة التي ركزت على أزمة قطر وورطتها التي لم تحاول بمصداقية الخروج منها، على العكس مما قاله تميم في المقابلة عندما تقمص شخصية زعيم بلد محاصر، بينما يعرف المنصفون أن قطر جلبت لنفسها المقاطعة واعتمدت العناد والمكابرة منهجاً لاستفزاز الآخرين ودفعهم لاتخاذ إجراءات وقائية لحماية أمنهم. وأخيراً عزز الإعلام القطري حملته بالاستهداف المباشر لمجلس التعاون الخليجي بادعاء الحرص على بقائه من جهة، ومن جهة أخرى مهاجمة أمينه العام معالي الدكتور عبداللطيف الزياني الذي لم يقل غير الصواب عندما صرح مبدياً استغرابه الشديد من محاولة وسائل الإعلام القطرية تحميله مسؤولية حل الأزمة الخليجية، رغم إدراك المسؤولين والإعلام في قطر أن حل الأزمة وإنهاء تداعياتها بيد قادة دول المجلس وليس بيد أحد آخر. وبالعودة إلى مقابلة تميم ضمن حملة العلاقات العامة التي تنفذها قطر في الأوساط الغربية، ومن ضمنها المقابلة مدفوعة الثمن مع القناة الأميركية، عاد أمير قطر للحديث مجدداً عن الخلط بين المطالب الخليجية من الدوحة وبين السيادة، متجاهلاً أن المطالب المشروعة إنما تهدف إلى إلزام قطر باحترام سيادة جيرانها وعدم التدخل في شؤونهم ووقف التآمر ضدهم لا أقل ولا أكثر، فلماذا تريد قطر إقناع الآخرين بأنها ضحية وهي التي شرعت في استهداف جيرانها بأساليب متعددة لعل أخطرها منح جوازات قطرية لإرهابيين مطلوبين للعدالة وهاربين من أحكام قضائية؟! أما الاتهامات بالسعي لتغيير النظام في قطر فتحمل ضمنياً مخاوف من الداخل القطري، وهذا شأن يخص الشعب القطري ذاته، وما يريده جيران قطر واضح ولا يتعدى المطالب المشروعة التي لم تظهر الدوحة أي حسن نية أو استعداد لتلبيتها حفاظاً على وحدة البيت الخليجي. وفي ما يخص تصوير الدوحة كراعية لحرية التعبير، لم يعد يخفى على أحد أن المنصات الإعلامية التي تمولها إنما تعنى عناية فائقة بترويج خطاب التطرف والكراهية.